افتتاح مقبرة مرنبتاح وكارتر يتكلم
فى ذكرى اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون
أعظم كشف أثرى فى التاريخ
كتب عبدالمنعم عبدالعظيم
بالرغم من حكم هذا الملك الطفل لم يستمر أكثر من تسع سنوات من عام 1358 الى عام 1349 قبل الميلاد ولم يكن له أهمية تذكر فى تاريخ مصر الفرعونى ولم يكن دمه الملكى نقيا إذ كانت أمه إحدى محظيات البلاط الملكى حتى أن اسمه لم يذكر فى ثبت الملوك الفراعنة بمعبد أبيدوس ولولا تلك الردة التى تمت فى عهده وأعادت لكهنة آمون فى طيبة سطوتهم بعد أن هزت أركانها دعوة اخناتون وكاد أن يتداعى سلطان طيبة بعد انتقال العاصمة منها الى مدينة أفق أتون (اخناتون) لما سطر التاريخ له اسما .
إلا أن توت عنخ آمون ومنذ سبع وثمانون عاما تاريخ اكتشاف هيوارد كارتر لمقبرته التى انفردت بان كنوزها وجدت كاملة لم تمس وظلت فى مكمنها أكثر من ثلاثة ألاف عام و خمسمائة ونيف لم ترها عين بشر حتي ملئت شهرتها أسماع العالم وأصبح توت عنخ آمون من يومها سفيرا فوق العادة للحضارة المصرية يتنقل اليه الباحثين عن الثقافة والمعرفة والعراقة والجمال حيت أجمل و أندر و أكمل الإبداعات الإنسانية على مر التاريخ .
وانتقلت قطع منها تجوب العالم كقيمة ثقافية وتاريخية تعبر عن أمجاد الإنسان المصرى القديم
وشغل توت عنخ آمون أيضا المحافل العلمية وما زال بحثا عن تفسير لظاهرة لعنة الفراعنة التى أصابت اثنين وعشرون شخصا مما كانت لهم صلة مباشرة أو غير مباشرة بكشف المقبرة وافتهم المنية فى ظروف غامضة بعد الكشف رغم أن كتب المؤرخين العرب حافلة بقصص هذه اللعنة قبل اكتشاف هذه المقبرة بعقود كثيرة ورغم صيحات بطرس تادرس المشهور بالمستر بيتر أقدم تراجمه الأقصر الذى شهد افتتاح المقبرة وظل حيا بعدها حتى بلغ خمس وثمانون عاما وكان يعمل سكرتيرا لكارتر أنا حى إذن لا لعنة .
ترى هل كان يمكن لهذا الكشف أن يرى النور لولا حادث السيارة الذى وقع للورد الانجليزى جون هربرت كارنفون فأصابه بمرض فى التنفس يسبب له متاعب عندما يحل جو الشتاء القارس الرطب فى بلاد الإنجليز ونصيحة الأطباء له بالسفر الى مصر ليستمتع بجوها الجاف.
وفى مصر انقلب هوس كارنفون من السيارات الى الهوس بالآثار وبدء حفرياته الأثرية فى ثالث زياراته لمصر ولكن جهوده لم يكللها النجاح فلجا الى صديقه عالم المصريات سير جاستون ماسبيرو مدير متحف الآثار المصرية أيامها الذى قدم له هيوارد كارتر الرسام وعالم الآثار الانجليزى الذى سبق له اكتشاف مقبرتين من مقابر وادى الملوك.
كان كارتر قبل تعارفه بكارنفون يعمل مع تيودور دافيد المحامى ورجل الأعمال الامريكى وخلال الموسم السياحى 1907/1908 وجد العاملون معهما مخبأ لاوانى فخارية كثيرة محروقة تحتوى على بعض اللوازم الجنائزية ولفافات كتانية لم يعرها دافيد أهمية إلا أن هربرت ونيلوك بمتحف المتروبوليتان لاحظ على فوهة وجدران الاوانى وإحدى اللفافات اختاما تحمل اسم توت عنخ آمون وبعدها اكتشف دافيد قى حفرة بأحد القبور صندوقا خشبيا يحتوى رقائق ذهبية محفور عليها اسم توت عنخ آمون واعتقد انه اكتشف مقبرة توت عنخ آمون إلا أن كارتر تشكك فى الأمر وكان من رأيه إن ملكا مصريا لا يمكن ان يدفن فى مثل هذا القبر المتواضع خاصة وانه احد ملوك الأسرة الثامنة عشرة
وحاول دافيد أن بجد شيئا لكن جهوده باءت بالفشل مثل سابقه المغامر الايطالى جوفيانى باتيستا بلزونى الذى فشل أيضا فى بحثه بذات المنطقة عام 1820
ورغم هذا أصر كارتر وكارنفون على البحث فى نقس المنطقة لم يكن بحثهم عن مقبرة معينة إنما كان جل بحثهم عن مقبرة فرعون اى فرعون
كان كارتر قد اعد فى عام 1917 خريطة مسح عليها المنطقة مسحا شاملا وأزاح كتل الأحجار الضخمة المتخلفة عن الحفريات السابقة واستمر البحث لعدة سنوات كاد أن يفقد فيها كارنفون الأمل لولا إلحاح كارتر بطلب فرصة أخيرة
اختار كارتر لفرصته الأخيرة أن ينقب أسفل مقبرة رمسيس السادس وحصر الحفر فى مثلث صغير لم يسبق التنقيب فيه حرصا على عدم إغلاق مقبرة رمسيس السادس أمام الزائرين .
بعد تنظيف المنطقة ظهرت أرضية مغطاه بحجر الصيوان مما اكد وجود مقبرة تحتها وبعد ستة سنوات طويلة قضاها الرجلان فى البحث و فجاة تم كل شىء وفى أسابيع معدودة .
فى 28 أكتوبر 1922 وصل كارتر الى الأقصر بدون كارنفون واستأجر فريقا للحفر وفى أول نوفمبر بدء التنقيب فى الركن الشمالى لمقبرة رمسيس السادس وبدء الحفر وسط طبقة الصيوان وفى 4 نوفمبر بينما كارتر يركب بغلته إذا برئيس العمال يبشره أنهم اكتشفوا درجة سلم منحوتة فى الصخر وفى 5 نوفمبر عصرا كانت الدرجات وصلت الى أربع درجات وحتى المساء وصلت الى اثنتى عشرة درجة وظهر فى نهاية الدرجات باب صخرى محكم الإغلاق وعلى الباب ظهرت بعض الأختام بها رسم لابن أوى ورسوم لتسعة أسرى من تلك الأختام الشائعة فى مدينة الموتى .
وفى السادس من نوفمبر ابرق كارتر الى كارنفون أخيرا وصلت الى اكتشاف مدهش بوادى الملوك مقبرة رائعة أختامها سليمة ردمنا كل شىء انتظارا لوصولك
ورد كارنفون على البرقية فى 8 نوفمبر بأنه سيصل قريبا
وصل كارنفون الى الأقصر فى 23 نوفمبر 1922 وفى اليوم التالى بدء تنظيف المدخل وفى 25 نوفمبر بدء تصوير أختام المدخل
ثم الى يوم 26 نوفمبر حيث تم فتح باب المقبرة يصف هيوارد كارتر المشهد فى كتابه مقبرة توت عنخ آمون قال :
من خلفى وقف اللورد كارنفون وابنته الليدى ايفلين هربرت وظهرت أمام عينى حيوانات وتماثيل من ذهب الذهب يلمع فى كل مكان كانت اثمن وأجمل ماكشف عنه رجال الآثار فى حفرياتهم السابقة كانت الحجرة حافلة بالأشياء العجيبة كئوس من الالباستر الشفاف على شكل زهرة اللوتس كومة غير منتظمة من العربات المقلوبة تلمع بالذهب ومطعمة بالأصداف تمثالان أسودان بالحجم الطبيعى للملك يواجهان بعضهما البعض كحارسين للمقبرة لكل منهما تنورة ذهبية ونعلين من ذهب ويمسك كل منهما صولجانا وعصا و وفوق جبهة كل تمثال الكوبرا المقدسة بالإضافة الى ثلاث أرائك مذهبة وتوابيت وراس مرصعة بالذهب
هذه قصة أعظم كشف أثرى فى التاريخ والذى اختارت مدينة الأقصر مناسبته عيد قوميا لها ثم قرر المجلس الشعبى اختيار يوم صدور قرار مبارك بتحويل الاقصر الى محافظة عيدا قومياويطالب اهالى الاقصر بعودة المناسبة عيدا قوميا
وفى هذه المناسبة افتتح منذ عامين الدكتور سمير فرج محافظ الأقصر السابق والدكتور زاهى حواس أحدث متحف أثرى فى مصر متحف بيت كارتر وهو الاستراحة التى أقام فيها كارتر منذ عام 1910 أثناء الكشف وضمت مقتنياته وأوراقه الخاصة و معروضات ومقتنيات من أثاث هيوارد كارتر وصورا أرشيفية تبين جبانة البر الغربي وقت كشف مقبرة توت عنخ آمون، وكذلك جانبا من عمله بالحفائر، إضافة إلى بعض الأدوات والملابس التي كان يستخدمها وهى مهداه من عائلته، والصحف الإنجليزية القديمه التى تحدثت عن اكتشافاته وحضر الاحتفال أحفاد كارتر وكارنفون وعديد من رجال الآثار والإعلام بمصر والعالم وتضمنت مراسم الأحتفاليه عدة محاضرات ألقاها رؤساء البعثات الأجنبية الذين عملوا بمنطقة وادى الملوك
وأعلن الدكتور زاهى حواس يومها عن طرح الغرفة التي كان يقيم بها كارتر داخل الاستراحة للإقامة بها لمدة ثلاث ليال فقط في العام مقابل عشرة آلاف دولار لليلة الواحدة.
هذا العام تضمنت الاحتفالية التى حضرها سفراء امريكا وروسيا واليونان وسنغافورة والكويت ووزير الآثار ووزير السياحة وأحفاد كارنفون افتتاح مقبرة مرينبتاح ابن رمسيس الثانى للزيارة
وفى متحف كارتر هذا العام استخدمت تقنيات حديثة تجسم صورة كارتر وهو يتحدث للزوار ويسرد قصة الاكتشاف
ومرنبتاح هو رابع ملوك الأسرة التاسعة عشر وهو ابن الملك رمسيس الثاني من زوجته الثانية إيزيس نوفرت وترتيبه الرابع عشر بين أبناء رمسيس إذ كل إخوته الأكبر منه قد ماتوا في حياة والدهم.
وقد استمرت مدة حكم مرنبتاح حوالي عشر سنوات من عام 1213 ق.م إلى عام 1203 ق.م
قام مرنبتاح بعدة حملات عسكرية خلال فترة حكمه، ففى العام الخامس من حكمه قام بحملة على الليبيين لمساعدتهم شعوب البحر على غزو مصر من الغرب وانتصر عليهم.
كان مرنبتاح متقدما في السن عندما تولى الحكم فكان في حوالي الستين أو السبعين، وقد قام بنقل العاصمة من برعمسيس عاصمة مصر في عهد أبيه إلى ممفيس حيث شيد قصر ملكى بجوار معبد بتاح وتم اكتشاف ذلك القصر في عام 1915 م بواسطة بعثة متحف جامعة بنسلفانيا الأمريكية.
آثاره
حصل مرنبتاح على معظم الأحجار التي يحتاج إليها لمنشآته بالسطو على أحجار الأبنية الأخرى، وقد استخدم ظهر نصب حجرى أقامه أمنحتب الثالث في تسجيل نبأ إحدى الأزمات الكبرى التي حدثت له في مدة حكمه، فقد كانت شعوب جزر شرق وشمال شرق البحر المتوسط التي طردت من ديارها في زمن حرب طروادة تركب البحر باحثة عن السطو أو مكان تستقر فيه، وصد مرنبتاح محاولتهم لغزو شمال شرق الدلتا في السنة الخامسة من حكمه.
لوحة مرنبتاح بالمتحف المصري.
اكتشفت هذه اللوحة عام 1896 على يد عالم المصريات الأنجليزي " فليندرز بيتري" في معبد مرنبتاح الجنائزى وتعد الأولى من نوعها في التاريخ المصري القديم حيث كانت المرة الأولى التي تذكر فيها كلمة (إسرائيل) لفظيا، سجل فيها الملك مرنبتاح انتصاراته على أرض كنعان واسرئيل واكمل انتصارات ابيه الملك رمسيس الثانى، اللوحة في الأصل كانت للملك أمنحتب الثالث ولكن لأسباب غير معروفة أستخدمها الملك مرنبتاح لتسجيل انتصاراته، أشهر عبارة في هذه اللوحة هي "اسرئيل ضائعة ,وبذرتها لا تنمو", واللوحة الآن معروضة بالمتحف المصري.
"يسرائر " أو "يسرائل " بالهيروغليفية حيث كان المصري القديم يخلط بين حرفي الراء و اللام . مكتوب على اللوحة باللغة الهيروغليفية
مقبرته
دفن مرنبتاح في مقبرته بوادى الملوك وهي المقبرة رقم 8 بوادي الملوك ،وقد نقش على الممر المنحدر بمسافة 80 متر داخل المقبرة حتى حجرة الدفن نصوص من كتاب البوابات.
واكتشفت مومياؤه في خبيئة بمقبرة أمنحوتب الثاني مع ثمانية عشر مومياء أخرى عام 1898 م بواسطة "فيكتور لوريت " مما يدل على انها نقلت إليها، ومن فحص مومياؤه تبين انه كان يعانى من التهاب المفاصل وتصلب الشرايين في أواخر أيامه وقد توفى وفاة طبيعية . طول المومياء 1.71 متر ويتبين من موميائه أنه كان أصلع الرأس إلا من بضع شعيرات قليلة، وملامحه قريبة من ملامح أبيه رمسيس ولكن قياسات جمجته مشابهة لجمجمة جده سيتي الأول.
عبدالمنعـم عبدالعظيـم
مدير مركز دراسات تراث الصعيد
الأقصـر ... مصـر
Monemazim@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق