الريفيات يتوهمن أن البظر إذا لم يُختتن يصبح في حجم العضو الذكري،
وأقسى أنواع الختان الطهارة السودانية .
كتب :عبدالمنعم عبدالعظيم
صعيد مصر تلك المنطقة الحبلى بالتراث العريق والحياة الصلبة الجافة جفاف مناخها والتي ضاعف من حدتها عقد طويل من الإهمال والتهميش والحرمان. كان منفى المغضوب عليهم، وعقاب المارقين على نظم الحكم وملجأ من يطلب الأمان.ثم بدأت التنمية مع بزوغ ثورة يوليو/تموز، وكان بناء السد العالي في أسوان مشروعها الحضاري العظيم. واتجهت الأنظار إلى الجنوب حيث رؤى المستقبل والطريق إلى التنمية، وبدأت الخريطة تستعيد خطوطها أيام كان الصعيد مهد الحضارة والمدنية. وفيه عواصم الإمبراطورية المصرية العظيمة التي سادت العالم.وعرف الصعيد الجامعات الإقليمية؛ جامعة المنيا وجامعة أسيوط وجامعة جنوب الوادي، وخرجت المرآة الصعيدية لتمارس دورها في التنمية وتستعيد مجدها التليد، فأول ملكة على مصر وأول ملكات العالم كانت حتشبسوت الصعيدية التي مارست الحكم من طيبة العاصمة.وأول من خلعت الحجاب ووقفت في وجه التقاليد العاتية هدى شعراوي صعيدية من المنيا، وأول من استشهد من النساء في ثورة 1919 صعيدية من قنا. هنا كانت البادرة، ومن هنا كانت البداية.وحين ندلف إلى قضية الختان في الصعيد، ندلف من باب التراث العريق والتقاليد الراسخة لا من باب منطقة أهملت فتخلفت وتجمدت عند هذا التخلف.فالصعيد يحمل تراث حضارة ممتدة لأكثر من خمسة آلاف سنة عاشت في وجدانه، وأثرت حركته وضبطت إيقاعه برغم ما يبدو في الشخصية الصعيدية من جمود.لهذا فإن قضية مناهضة الختان حينما تصدم في الصعيد بالتقاليد الجامدة وتراث طويل من الممارسة قبيل الديانات السماوية، فإن ذوبان الجليد لتفهم القضية يحتاج إلى وقت وجهد.وبرغم ما يشاع أن الختان عادة مصرية قديمة، لكن جذورها في الواقع لم تنبت في مصر، فهو عادة أفريقية دخلت إلى مصر مع غزو الأحباش لها في عهد الأسرة الخامسة والعشرين. ومما يزيد هذا الفرض تأكيدا أن الختان أكثر انتشارا في أفريقيا، وأن الأغلبية من 130 مليون سيدة وفتاة مارسن الختان في العالم في أفريقيا، ومازالت ثمانية وعشرون دولة أفريقية تمارس الختان وتعتبره من طقوسها المقدسة. ومن المؤكد تاريخيا أن المصريين جميعا مارسوا ختان الإناث من قبل أن تدين مصر بالديانات السماوية المسيحية والإسلام، فقد ورد في بردية ترجع إلى العصر اليوناني (بردية رقم 24 محفوظة بالمتحف البريطاني) ويرجع تاريخها إلى عام 163 قبل الميلاد، وتضمنت حديثا لسيدة تريد أن تجري الختان لابنتها لأنها قد بلغت السن المناسبة للختان استعدادا للزواج، وبالتالي فإن ممارسة الختان في الصعيد عادة قديمة متوارثة ومتوترة وهى جزء من العرف والثقافة السائدة.بل أنه في جنوب الصعيد (النوبة) يمارس أقسى أنواع الختان (الطهارة السودانية) وفيها يتم قطع البظرين والشفرين الكبيرين والصغيرين جزئيا أو كليا، وخياطة ما تبقى من الشفرين الكبيرين على الجانبين مع ترك فتحة صغبرة لخروج البول ودم الحيض ويسمونها في السودان الطهارة الفرعونية. والغالب أن الختان في الصعيد يتم بإزالة غلفة البظر وجزء من البظر أو كله.وبالرغم مما في هذه العملية من مضاعفات مثل النزيف والألم والصدمة العصبية والتلوث والعدوى والالتهابات ولا تخلو من إصابة للأعضاء المجاورة واحتباس البول والاحتقانات زيادة على ما في العملية نفسها من ألام نفسية، وبالرغم مما في الختان من تشويه للأجزاء التناسلية للأنثى، مازال الجنوبيون يتمسكون بهذه العادة رغم أن عادات كثيرة متوارثة أخذت طريقها للاندثار مثل الدخلة البلدي وزواج الأقارب والوشم والزواج المبكر وكثرة النسل والثأر وعدم تعليم الفتاة.يقولون إن جو الصعيد الحار يساعد على البلوغ المبكر للفتاة، ويسبب إثارة غرائزها الجنسية، وكلما كانت الفتاة أكثر سمرة كانت أكثر غريزة ولابد من كبح جماحها بالختان.ويعتقدون أيضا أن الختان يساعد الفتاة على وصول مرحلة البلوغ مبكرة ويزيد من خصوبتها ونضارتها ويسهل عليها عملية الولادة.وهناك قناعة كاملة أن الختان من تعاليم الديانات المسيحية والإسلامية بالرغم من أن الكنيسة المصرية شجبت هذه العادة وتصدى العديد من ثقاة المفكرين الإسلاميين بتضعيف الأحاديث التي تناولت الختان. وأكدوا أن القران الكريم قد خلا من أي نص أو إشارة من قريب أو بعيد تدعو إلى الختان، وأنه ليس هناك حكم شرعي ولا قياس يدعو إلى الختان.وفى حين اعتبر الإمام الشافعي أن الختان واجب على الرجال والنساء، رأى الإمام أحمد ابن حنبل أنه واجب على الرجال، وليس بواجب على النساء، وأن أبي حنيفة النعمان، ومالك بن أنس اتفقا على أن الختان للرجال سنة وللنساء مكرمة.وقد رفض ختان الإناث عديد من العلماء، مثل الشيخ رشيد رضا، والشيخ محمد حسنين مخلوف، والشيخ سيد سابق، والإمام محمود شلتوت، والدكتور محمد سيد طنطاوي، والدكتور مصطفى الشكعة، والسوري محمد بن لطفي الصناع. ومن قوص خرج علينا الأنبا اثناسيوس أسقف قوص أنه لا رخصة للنساء في الختان لا قبل العماد ولا بعده لأن الديانة المسيحية ترفض تلك العادة رفضا كاملا.ويؤكد المسح السكاني القومي أن نسبة الختان في الصعيد بين النساء في الفترة من 1995/2003 بلغت 7و97% وان نسبة 75% يؤيدون استمرار الختان، وغالبية المؤيدين من النساء اعتقادا أن هذه العملية تحمي البنات من الانحراف. ويقال إن المرأة غير المختنة ترهق زوجها وتكون أكثر طلبا للمعاشرة الجنسية، أما المرأة المختنة فتكون أهدأ ولا تسرف في طلب المعاشرة، والمرأة غير المختنة لا تستطيع الصبر على الجنس في حالة غياب زوجها فتلجأ للخيانة.ويظن البعض أن هذه الأجزاء إذا لم تزل تسبب روائح كريهة، وأن الختان نوع من النظافة. ويتوهم الريفيات أن البظر إذا لم يختتن يكبر إلى أن يصبح في حجم العضو الذكري، ويسب احتكاكه بالملابس الإثارة الجنسية، وأن الدعوة لمناهضة الختان دعوى أوروبية لتشيع الفاحشة في بلاد المسلمين ولهذا يمولونها.والصورة تزداد قتامة إذا علمنا أن 80% من عمليات الختان في الصعيد تتم على يد (داية) حتى النسبة الضئيلة التي تتم على يد طبيب لم تسلم من أخطاء التلوث والنزيف. وفي جريدة الأهرام في 16/10/1996 أن طفلتين توفيتا عقب إجراء عملية الختان في قرية الضبعية، وكانت أيامها تابعة لمركز ارمنت، وأثبت الطب الشرعي أن الوفاة تمت نتيجة نزيف تسبب في هبوط للدورة الدموية، وأحيل الطبيب للنيابة فالقضاء.والطبيب، أي طبيب، معدوم الخبرة، فلا توجد في جميع كليات الطب في العالم، ومصر أيضا، أو الدراسات العليا والكتب والمراجع وصف لهذه العملية ولا تمارس عمليا في برامج الدراسة.والدعوة إلى مناهضة الختان ليست جديدة. في 1928 أعلن الجراح المصري العالمي د. علي باشا إبراهيم في مؤتمر عقد بالقاهرة أنه لم يتعلم ختان الإناث، ولم يعلمه لطلابه وينصح بعدم إجرائه.وفي الثلاثينيات كتب المفكر سلامة موسى مقالا تناول فيه ختان الإناث كمشكلة اجتماعية في كتابه "مقالات ممنوعة".وفي عام 1952 نشرت مجلة "الدكتور" القاهرية ملحقا عن ختان الإناث.وفي عام 1958 قادت الصحفية أمينة السعيد حملة جريئة عن مضار ختان الإناث.وفي عام 1959 أصدر وزير الصحة القرار رقم 74/59 بحظر إجراء عمليات الختان في وحدات ومستشفيات وزارة الصحة.وفي عام 1966 كتب الدكتور صموئيل حبيب رئيس الطائفة الإنجيلية مقالا عن أضرار الختان.وفي عام 1979 (عام الطفل العالمي) قدمت ماري سعد أول دراسة ميدانية عن ختان الإناث في مصر.في أكتوبر/تشرين الأول 1979 نظمت جمعية تنظيم الأسرة في القاهرة برئاسة عزيزة حسين حملة ضد ختان الإناث واستمرت في الحملات.في عام 1992 تم تشكيل اللجنة القومية لمناهضة ختان الإناث. في عام 1994 لعب مؤتمر القاهرة الدولي للسكان دورا فعالا فس تكوين منتديات بين الجمعيات الأهلية، بعد عرض فيلم صورته القناة الإخبارية سي إن إن عن ختان طفلة مصرية آثار سخط المصريين، وشوه صورة مصر الحضارية. وقتها أصدر الدكتور محمد سيد طنطاوي فتواه أن الختان عادة وليس عبادة.وفس أكتوبر/تشرين الأول 1994 تكونت قوة العمل المناهضة لختان الإناث التي ترفض مطلقا ممارسة عادة الختان. وهي حركة اجتماعية نشطت نشاطا ملحوظا حتى نجحت في استصدار قرار من وزير الصحة يمنع الأطباء من ممارسة الختان، أيدته المحكمة الإدارية العليا. وحاليا يتبنى المجلس القومي للطفولة مشروع مناهضة ختان الإناث في 60 قرية في صعيد مصر في بني سويف، والمنيا، وسوهاج، وقنا، وأسوان، من خلال 12 جمعية محورية بمعدل جمعيتين بكل محافظة، تعمل كل جمعية في عشر قرىً في المرحلة الأولى.ونستطيع أن نؤكد أن المشروع بدا يكسر الجليد ويقتحم المشكلة في الصعيد، رغم المصاعب التي تعترض حركتهم. ومن النماذج الإيجابية نموذج قرية جعفر بمركز الفشن ببني سويف حيث تعهدت القيادات الطبيعية بالقرية عدم إجراء هذه العادة وتفعيل المداخلات الخاصة بمنع هذه الممارسة، وتبعتها قرية بنبان بمحافظة أسوان التي أصدر شعبها وثيقة أخرى.لقد نجحت الحملة في تخفيض نسبة ممارسة ختان الإناث في الصعيد إلى أقل من95%.ولا يفوتنا أن نشيد بدور السيدة سوزان مبارك سيدة مصر الأولى في دعم المشروع ورعايته.ولا يزال الختان في الصعيد قضية، ولكنها رغم التقاليد الصارمة والمجتمع العنيد بدأت في الانحسار وبدأ الجليد في الذوبان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق