الأحد، 7 ديسمبر 2008

السنة الفبطية وامثالنا الشعبية

  • دائرة معارف زراعية
  • الشهور القبطية تفرز أمثالها الشعبية
    جزء من التراث المصري الفرعوني ينتظم مع دورة المحاصيل الزراعية ويتوافق مع الطقس على مدار السنة.
    ميدل ايست اونلاين
  • كتب ـ عبدالمنعم عبدالعظيم
    بالرغم من أن التقويم القبطي توارى في زاوية بعيدة وسط التقاويم الميلادية والسريانية والهجرية، ولا يأخذ مكانه فى المكاتبات الرسمية، ولو سألت أحدا تاريخ اليوم القبطي لما وجدت ردا، إلا من الفلاح المصرى الذى احتضن هذا التقويم، وظل يتوارث العمل به في زراعته منذ عرف هذا التقويم في عام 4241 قبل الميلاد.
    وهو جزء من التراث المصري الفرعوني ظل يمتد وينساب في سهولة وبساطة ويسر في الوجدان المصري منتظما مع دورة المحاصيل الزراعية متوافقا مع الطقس على طول فصول السنة دون أدنى تغيير أو تبديل.
    إنه دائرة معارف شعبية زراعية فلكية متميزة انطبعت في تراثنا المصري الأصيل.
    لقد احتفظ أقباط مصر بنفس التقويم المصري القديم وشهوره التي ظلت كما هي بأسمائها الفرعونية بعد أن اتخذوا من عام الشهداء الذي استشهد خلاله مليون قبطي على يد الإمبراطور الروماني دقلديانوس عام 248 بداية للتقويم القبطي.
    وكلمة (قبط) شاع استعمالها مرادفا للمسيحيين خطأ، فالقبط هم المصريون جميعا وإن اختلفت دياناتهم.
    وللسنة القبطية ارتباط وثيق بتراث الأمثال الشعبية فى مصر ولا يخلو شهر من شهورها من مثل أو أكثر 0
    يقع شهر توت في رأس السنة القبطية، وينسب إلى الإله توت أو تحوت إله الحكمة والعلم والمعرفة، ومبتكر الكتابة، وقد رمزوا له بالطائر المقدس أبو منجل "ايبس" الذي يأتي في بداية السنة الزراعية مبشرا الفلاح ببدء موسم الزراعة.
    ولعل من السمو أن تبدأ السنة القبطية بالحكمة والمعرفة.
    وفي الأمثال الشعبية "توت ري ولا تفوت" أي الفلاح الذي لا يستطيع أن يروي أرضه هذا الشهر لا يستفيد من زراعتها.
    والمثل التالي "توت يقول للحر موت" نسبة إلى انكسار نسبة الحرارة في هذا الشهر.
    ومن أشهر الأمثلة "توت حاوي توت" أي أن الحاوي يتكلم بالعلم والمعرفة بلسان الإله توت.
    وشهر توت يأتى في الفترة من 11 سبتمبر/أيلول إلى 10 أكتوبر/تشرين الأول.
    ثم يأتى شهر بابه أي شهر حابي إله النيل، ويعنى أيضا شهر الاوبت أي عيد انتقال الإله امرن من معبد الكرنك إلى معبد الأقصر محملا على القارب المقدس في موكب رائع عبر طريق الكباش الذي يجري إعادة اكتشافه هذه الأيام.
    يقول المثل "بابه خش واقفل الدرابة" أي الطاقة (النافذه الضيقة في البيوت الريفية) اتقاء للبرد في هذا الشهر.
    ويقول المثل أيضا "إن صح زرع بابه يغلب النهابة، وإن خاب زرع بابه ما يجيبش ولا لبابه" أي أن كثرة المحصول في بابة مربحة مهما انتهب منها.
    ويأتى شهر بابه في الفترة من 11 أكتوبر/تشرين الأول إلى 9 نوفمبر/تشرين الثاني.
    ثم يأتي شهر هاتور، أي شهر حتحور البقرة المقدسة، رمز الخصب والجمال والنماء ورمز الآلهة إيزيس.
    ويقول المثل "هاتور أبو الدهب منثور" يقصد القمح.
    ويقول المثل أيضا "إن فاتك هاتور اصبر لما السنة تدور".
    ويأتى شهر هاتور من 10 نوفمبر/تشرين الثاني إلى 9 ديسمبر/كانون أول.
    ثم يأتى شهر كيهك، ومعناه شهر كا هاكا، أي شهر اجتماع الروح كا.
    وفي المثل "كياك صباحك مساك، شيل يدك من غداك، وحطها في عشاك" إشارة إلى قصر النهار في هذا الشهر وطول الليل.
    ويقول المثل أيضا "البهايم اللى متشبعش فى كياك ادعى عليها بالهلاك".
    وشهر كيهك من 10 ديسمبر/كانون أول إلى 8 يناير/كانون ثاني.
    ثم يأتى شهر طوبة، ومعناه الأعلى أو شهر عيد الفصح، الذي يقع في 11 طوبة وفيه التطويب أي إعداد الأرض للزراعة.
    ومن الأمثلة في هذا الشهر "طوبه تزيد الشمس طوبة".
    ويقول المثل "الغطاس عيد القلقاس واللى مايأكلش قلقاس يوم الغطاس يصبح جته من غير راس" وفي طوبة يشتد البرد.
    ويقول المثل "طوبة تخلي العجوزة كركوبة"، أيضا "طوبه تخلي الصبية جلدة والعجوزة قردة".
    وفي المثل أيضا "الاسم لطوبة والفعل لأمشير".
    ويقسم الفلاح المصري طوبة من حيث الطقس إلى ثلاثة أجزاء (طوبة) العشرة أيام الأولى من الشهر حيث يشتد البرد، و(طبطب) حيث البرد الذى يجعل الإنسان يطبطب أي يرتعش، والعشرة أيام الأخيرة (طباطب) أي تقلب الجو من الصحو إلى الممطر.
    وشهر طوبة من 9 يناير/كانون ثاني إلى 7 فبراير/شباط.
    وبعد شهر طوبة يأتي شهر أمشير، شهر إله الريح والزوابع (مشير).
    يقول المثل "أمشير أبو الزعابير الكتير ياخد العجوزة ويطير".
    وقسمه الفلاح المصري أيضا إلى ثلاث أقسام: (مشير) ويقال لها عشرة الغنامى (الراعى) حيث ينخدع الراعى بالدفء.
    و(مشرشر) أو عشرة الماعز حيث يعود البرد للاشتداد ويكثر هبوب الريح وسقوط المطر وتنفق الماعز من شدة البرد.
    و(شراشر) ويطلق عليه عشرة العجوز حيث تبدأ العجائز في الحركة بعد ظهور الدفء.
    ويأتي شهر أمشير من 8 فبراير/شباط إلى 10 مارس/آذار.
    ثم يأتي شهر برمهات، وينسب إلى فرعون مصر أمنحات.
    وفي هذا الشهر تأتي رياح الحسوم التي ذكرها القرآن الكريم {سبع ليال وثمانية حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية}.
    ويطلق عليها أيضا برد العجوز.
    يقول المثل "برمهات روح الغيط وهات".
    وشهر برمهات من 10مارس/آذار إلى 8 أبريل/نيسان.
    ثم شهر برمودة وينسب إلى (رنودة) إلهة الحصاد.
    يقول المثل "برمودة دق العامودة" أي دق سنابل القمح بعد نضجها.
    وشهر برمودة من 9 أبريل/نيسان إلى 8 مايو/آيار.
    ثم شهر بشنس، وينسب إلى الإله (خونسو) إله القمر وابن الإله آمون، وفيه تدرس المحاصيل.
    يقول المثل "بشنس يكنس الغيط كنس"
    وشهر بشنس من 9 مايو/آيار إلى 7 يونيو/حزيران.
    ثم يأتي شهر بؤونه أي با اونى، أو وادي الحجارة نسبة إلى (وادى الملوك) الشهير بالقرنة بالأقصر.
    يقول المثل "بؤونه نقل وتخزين المونة" أي المؤنة للاحتفاظ بها بقية العام، وكان التخزين أحد عادات المصريون القدماء، خشية الفيضان الجارف أو انقطاع الفيض.
    ويقال "بؤونة الحجر" لارتفاع الحرارة فيه.
    وشهر بؤونة من 8 يونيو/حزيران إلى 7 يوليو/تموز.
    ثم شهر أبيب، نسبة إلى أبيب أو هوبا أو حابى إله النيل.
    يقول المثل "أبيب فيه العنب يطيب".
    ويقول المثل أيضا "أبيب مية النيل فيه تريب" نسبة إلى الفيضان.
    وشهر أبيب من 8 يوليو/تموز إلى 9 أغسطس/آب.
    ثم تنتهى السنة القبطية بشهر مسرى، وأصلها سى رى نسبة إلى إله الشمس رع
    يقال في المثل "عنب مسرى إن فاتك متلقاش ولا كسرة"، حث على الإسراع في زراعة الذرة.
    ويقال مسرى "تجرى فيه كل ترعة عسرة" حيث تزداد مياه الفيضان فتغمر كل مصر.
    وشهر مسرى من 7 أغسطس/آب إلى 5 سبتمبر/أيلول.
    يقول القلقشندي في كتابه "صبح الأعشى في صناعة الانشا" على لسان أحد الرحالة "عرفت أكثر المعمور من الأرض، فلم أر مثل ما بمصر من ماء طوبة، ولبن أمشير، وخروب برمهات، وورد برمودة، ونبق بشنس، وتين بؤونة، وعسل أبيب، وعنب مسرى، ورطب توت، ورمان بابة، وموز هاتور، وسمك كيك.
    ويستمر هذا الثراء الثقافي، ويترسب في وجدان الفلاح المصري الذي تعلم بالفطرة شهور السنة القبطية، أو لم تمحها من ذهنه السنة اليوليانية الرسمية، ولا السنة الهجرية التي احتفظ بها لعبادته، وجعل من إحداثها وبدايات أشهرها مواسم للخير وسماها أيام رحمة يبذل فيها للفقراء ويبر أهله بالطعام.
    عبدالمنعـم عبدالعظيم
    كاتب وباحث ـ الأقصر (مصر)

    Monemazim2007@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: