"شمس المعارف نشرق من الجنوب"
سيدي ابي الحجاج الأقصري
كتب :عبدالمنعم عبد العظيم
ويهل علينا هلال شهر شعبان المكرم وتتطلع القلوب الى مدينة الالف باب طيبة الاقصر حيث مولد شيخها شيخ الزمان وواحد الاوان صاحب المعارف الربانية والكرامات المشهورة والمكاشفات المعروفة وحارسها فى قلعته الحصينة التى اقيمت فوق كنيسة قديمة اقيمت هى ايضا فوق جزء من معبد الاقصر لتتزاوج مصر الفرعونية بمصر المسيحية بمصر الاسلامية فى وحدة معمارية وتاريخية وحضارية رائعة الهلال مع الصليب مع مفتاح الحياة
هو السيد يوسف عبد الرحيم بن يوسف بن عيسي الزاهد بن محي الدين بن منصور بن عبد الرحمن الملقب بشيخه بن سليمان بن منصور بن ابراهيم بن رضوان بن ناصر الدين بن أبراهيم بن احمد بن عيسي الشهير صاحب الكرامات والمكاشفات ابن نجم بن تقي الدين بن عبد الله بن الدني بن عبد الخالق بن نجم الدين بن عبد الله أبي الطيب عبد الخالق بن أحمد بن اسماعيل ابي الفراء الشهير بن عبد الله بن سيدي جعفر الصادق بن سيدي محمد الباقر بن الامام الاعظم سيدي علي زين العابدين بن الامام الاكبر سيدي ابي عبد الله الحسين بن الامام المكرم والخليفة الاعظم سيدي علي بن ابي طالب وامه سيدتنا فاطمه الزاهراء بنت سيد الاولين والاخرين سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم
ولد رضي الله تعالي عنه في أوائل النصف الثاني من القرن السادس الهجري علي الراجح في مدينة " بغداد " حاضرة الخلافة العباسية في عهد الخليفش شة المقتفي بأمر الله العباسي وقد نشأ في أسرة علي قدر كبير من الورع والتقوي تحت رعاية والده السيدعبد الرحيم بن يوسف الذي كان يشغل منصبا رئاسيا في الدولة العباسية .
وكانت فترة نشاته فترة خصبة في الفكر الصوفي فأعده والده ليكون واحدا من رجال الدين وعلماؤه في بغداد – فحفظ القران الكريم في سن مبكره ثم نال قسطا وافر من الثقافة الدينية ولكن لم يلبث ان توفى والده وهو طفل صغير فوجد نفسه مسئولا عن تكاليف الحياه قاشتغل في صناعة غزل الصوف وحياكته وكان له حانوت مشهور في بغداد
وقد درت عليه هذه الصناعة رزقا وفيرا وتزوج صغيرا وأنجب أيضا صغيرا وكان بجانب عمله في هذه الصناعة يتردد علي حلقات الوعظ و الدروس التي كان يعقدها شيوخ التصوف والعلماء في " بغداد " وظل كذلك ينهل من مناهل الثقافة الاسلامية حتي أخذ بنصيب وافر من مختلف العلوم ثم دخل المدرسة النظامية في بغداد وتفقه على مذهب الامام الشافعي علي يد الشيخ الصالح صدر العارفين وعين المحققين أبو النجيب السهروردي وتاثر بقراءته لهذه الكتب تاثرا تاما وقد إنعكس صدي هذا التاسر علي ما تركه من أقوال في علوم الطريق و اراء في التربية والسلوك كما قرا الادب ايضا في نختلف فنونه وكان ذواقا للشعر ومن نظمه :
ولقد رأيت جماعة في عصرنا قد كنت أحسبهم علي سنن السلف
قبلوتهم وخبرتـهم وعرفتـهم فوجدت خلفا ما بجملتــهم خلف
فنفضت كفي من تعاهد وصلهم من رام وصلهــم فقد رام التلف
ورايت أسباب السلامة كـلها في رميهم خلفا لظهــــــر ثم كف
وكان لثقافته الادبية اثر بعيد علي اقواله في الطريق ونصائحه للمريدين فجاءت هذه الاقوال والنصائح عميقة المعنى وكان للادب فى حياته اثر بعيد علي اقواله في الطريق
ويعد أن تزود ابو الحجاج بهذه الثقافة الواسعة أشتغل بالوعظ والتذكير في بغداد وكان علي وعظة اقبال شديد لما كان يمتاز به من قوة الاستمالة وملكة التاثير فيمن حوله – فعلا بذلك نجمه وكثر اتباعه ومريديه في مكة والمدينة .
ومرت الايام بأبي الحجاج حتي بلغ سن الاربعين من عمره وكان قد جمع لنفسه من تجارته ما يكفيه مدة طويله من الزمن وفي الوقت نفسه كان قد تعرف علي كل مدارس الفقه والتصوف الاسلامي في بغداد والعراق ففكر في الرحيل الي أماكن اخري ليتعرف علي مدارس الفكر الاسلامي فيها بجانب ان وجه الحياه قد تغير في بغداد والعراق في الفترة من 575هـ الي 622 هـ حيث تعرضت البلاد خلال حكمه لعديد من الفتن الاضطرابات والقلاقل بين الشيعة والسنة
لذلك فكر في الرحيل متجها الي مكة وأقام بها سنة تعرف خلالها علي اشراف من نسل اجداده وأسهم بالراي والمناقشة في مجالس علمها تعرف علي القادمين من مصر ومنهم بعض من عرب جهينة وعسير وهؤلاء هم الذين عرفوه بأن له أجداد مدفونين بأرض مصر ورغبوه في السفر اليها وخاصة ان مصر كانت تمتاز في ذلك الوقت بالهدوء والسكينة والامان والاطمئنان دون سائر المدن الاسلامية ولكن الشيخ أبي الحجاج اثر البدء بزيارة المدينة المنورة علي ساكنها أفضل الصلاة وأتم السلام – فتزود هناك بالعلم وعاش بفكرة وايمانه مع السلف الصالح منذ عهد الرسول صلي الله عليه وسلم والصحابة التابعين رضي الله عنهم
وفي رحاب المصطفي صلي الله عليه وسلم أتخذ أبي الحجاج قراره بأن يقوم بدوره في الدعوه من أجل رسالة التوحيد والجهاد من اجل الحق والفضيلة متخذا أرض مصر مكانا لدعوته .
اتجه أبو الحجاج و أولاده (نجم الدين ـ عبد المعطى , وأبن ثالث الى جانب المرافقين الذين صحبوه الي مصرومن اشهرهم عبدالمنعم الاشقر بن فهد وقد دخلها عن طريق شرق الدلتا حيث نزل بالمنصورة ، وأستقر بها الابن الثالث، ثم تنقل فى مختلف مدن مصر ومعة أبنيه ( نجم الدين و عبد المعطى) ومن نسلهم أستمر نسل سيدى أبوالحجاج فى الاقصروهؤلاء هم الذين شكلواالاسرة الحجاجية اشهر واكبر عائلات الاقصر
;كانت رحلته الى الاقصر بناء على رؤية منامية تامره بالرحيل الي مدينة تسمي " الاقصر " في صعيد مصر
أتجه أبو الحجاج بناء علي هذه الرؤية االي الاقصر فاستقبله أهلها بالترحاب البالغ وهم يتوقون الي داعية ومرشد يشد من ازرهم ويقوي عزائمهم ويعينهم علي نصره دين الحق في هذه المدينة فلما رأوا فى أبا الحجاج قوة فى الشخصية و علم غزير وتقوى وخشوع لله تعالي وجدوا قيه ضالتهم المنشودة فانست نفوسهم اليه وتفتحت قلوبهم له فالتفوا حوله وبالغوا في اكرامه .
وكان بالمدينة راهبة تدعي تريزة بنت القيصر القبطية وكانت أميرة قومها ورئيسة ديرها وتقيم في مواقع بجانب من معبد الاقصر فادهش الراهبة أسلوب الشيخ في الزهد والتصوف وملا نفسها احتراما له وتقديرا والتقي أبو الحجاج بالراهبة ينقاشها في امور الدين والدنيا فأسلمت وتحولت الي داعية إسلاميه
وبدا نجم أبو الحجاج يعلو في مدينة الاقصر وأخذ الناس من مختلف المدن والقري يتشوقون اليه فاتجهوا الي هذه المدينة واقاموا فيها ليحظوا بقرب هذه الشيخ العالم الجليل ويستفيدوا من واسع علمه وعقد الشيخ حلقات الوعظ والدروس ليفقه الناس في الدين الاسلامي الحنيف وبدا اتباعه ومريدوه يتكاثرون يوما بعد يوم حتي عدوا بالالاف .ودوي صوت الحق يجلجل في ارجاء المدينة فتغير وجهها واشرقت بنور ربها اسلامية ثم نسبت الي ابي الحجاج ونسب اليها وكان أول من نسبت اليه ونسب اليها من علماء المسلمين .
كان لهذا الذي حدث في الاقصر اثر بعيد علي شخصية ابي الحجاج حيث بدات شهرته تعم مختلف مدن مصر وبدا الناس من كل مكان يتوقون الي مشاهدته والدخول في رحابه ويتناهي خبره الي مسامع سلطان مصر العزيز عماد الدين الايوبي ابن السلطان صلاح الدين الايوبي الذي كان من ابرز صفاته أنه كان مباركا كثير الخيرواسع الكرام محسنا الي الناس معتقدا في ارباب الصلاح فارسل اليه رسولا يدعوه الي مقابلته ولما مثل بين يديه اعجب السلطان بواسع أفقه وغزير معرفته في العلوم الاسلامية وقوة شخصيته وسرعة خاطره فاسند اليه منصب مشارف الديوان للحسبة والخراج وهي وظيفة رئاسية لا ينالها الا الثقاة الذين يلمس فيهم السلطان النزاهة والفقة ولكن الشيخ لم يستمر طويلا في هذه الوظيفة فقد رد نفسه عنها زاهد فيها لانه وهب نفسه للخالق سبحانه وتعالي متصوفا وداعيا لرسالة الاسلام الحنيف وبعد ان ترك أبو الحجاج هذه الوظيفة طفق يتجول في مختلف مدن مصر شانه شان اغلب رجال التصوف والدعاة الي أن وصل الي الاسكندرية التي كانت مركزا لدعوات صوفيه عديدة ويمكث بها فترة يلتقي فيها بأعيان هذه المدينة وشيوخ التصوف يفيد ويستفيد واستظاع التعرف علي جميع المدارس العلمية بها وقد صاحب خلال اقامته في الاسكندرية الصوفي الجليل ابا محمد عبد الرزاق الجزولي السكندري المغربي المولد والنشاة والمدفون برمل الاسكندرية فعرف الشيخ الجزولي ابا الحجاج وعرف فيه اخلاصه لله وخشوعه وتقواه فتنبا له بمستقبل عظيم ينتظره في صعيد مصر في مجال خدمة الدين الاسلامي والنهوض بالتربية الروحية والاخلاقية .... وقد صاحب ايضا وارتبط بأبي الحسن الصباغ القوصي الذي لم يفارق صديقه ابا الحجاج وعادا معا الي ارض الصعيد مرة اخري وفى الاقصر تقدمت كراماته واستنقذ من اسر الجهل من كان موثوقا فى حباله وانجد من ضل عن طريق الهدى فهداه بعد ضلاله ووجد عاثر المعاصى قد احاط به جبش الذنوب فاخذ بيده واقاله ووضع فى يد التقوى عقاله كما يقول الادفوى فى طالعه السعيد
تقدم فى الفضل على اقرانه واترابه وظهرت بركاته على الجم الغفير من اصحابه فانتشروا فى الاقطار والافاق وقام لهم سوق الثناء وتفجرت من قلبه ينابيع الحكمة والاشراق وخرج من بين يديه تلاميذ فضلاء منهم الشيخ على بادفو والشيخ على بن بدران والشيخ سماس السفطى والشيخ ابراهيم الفاوى والبرهان الكبير والبدر الدمشقى والشيخ مفرج الدمامينى وغيرهم وممن صحبه فى رواية للشيخ عبدالغفار بن نوح الاقصرى صاحب الوحيد فى سلوك اهل التوحيد ان ابى الحجاج صحب الشيخ عبدالرازق تلميذ الشيخ ابى مدين والشيخ الصفى بن ابى المنصور والشيخ العجمى
وكراماته يضعف عن وصفها اللسان ويعجز عن رصفها البنان
لكن جهال اتباعه قد اطنبوا فى امره ورفعوه فوق قدره وطنوا ان ذلك من بره فجعلوا له معراجا ودعوا الناس الى سماعه فجاؤا افواجا وادعوا انه فى ليلهة النصف من شعبان عرج به الى السماء وتلقى من ربه الاسماء واتخذو من المناسبة عيدا قال بن نوح اته كان مشهورا بالعلم والرواية وله كلام يشهد له بالمعرفة والدراية
توفى الى رحمة الله نعالى فى شهر رجب سنة 642 ومن ابنائه احمد بن يوسف الذى ينعت بالنجم ومشهور بالكرامات وهو الذى بنى الضريح الذى على ابيه ومن احفاده السيد يوسف الحجاجى امام الطريقة الخلوتية فى صعيد مصر فى اواخر التصف الاول من القرن الرابع عشر الهجرى وتوفى ستة 1914 والعالم الفقيه عبدالوارث بن احمد بن جبريل فقيه الاقصر ومفتيها والشيخ ابراهيم القاضى الحجاجى قاضى الاقصر والمرحوم الاستاذ محمد عبده الحجاجى الكاتب والمؤرخ والدكتور احمد شمس الدين الحجاجى اسناذ الادب الشعبى
اسطورة الشيخ والراهبة :
ومن الاساطير المرتبطة بسيدى ابوالحجاج غير اسطورة المعراج اسطورة الراهبة وتحكى الاسطورة ان سيدى ابوالحجاج عندما قدم الى الاقصر طلب من اميرتها الراهبة الرومانية تريزا بنت القيصر مقدار جلد بعير من الارض يتعبد فيه فاجابته فى وثيقة مكتوبة وفى الليل قد جلد البعير على شكل سير طويل ربط طرفه باحد اعمدة معبد الاقصر واحاط به المدينة فتملكها بموجب الوثيقة ثم تقول الاسطورة ان الراهبة من اعجابها بذكاء الشيخ اسلمت وتزوجته
هذه الاسطورة تكررت فى تاسيس مدينة قرطاج التونسية والفسطاط فى عصر عمر بن العاص اختلف المكان واتحدت الرواية
وبالطبع فان التاريخ الحقيقى رواية اخرى بعيدة عن الاساطير وتظل الاسطورة فى وجدان الشعب جزء من تراثه الخالد 0
مولد سيدى ابو الحجاج الاقصرى
المشهد فى ليلة الثالث عشر من شهر شعبان حيث الليلة الختامية لمولد القطب الصوفى الورع سيدى ابوالحجاج الاقصرى الذى يقع مقامــه فوق أطلال كنيسة قديمة أقيمت بأحد أروقة معبد الأقصر حيث يتزاوج الفرعونى بالمسيحى والمسيحى بالاسلامى 0
فى مناسبة مولده فى شهر شعبان من كل عام يجتمع الـناس من كل وصوب وحدب حتى انك لا تجد موضعا لقدم فقد اعتاد اهالى الأقصر و على مدى أسبوع استضافة كل زوار مدينتهم فى هذه المناسبة التى تعد من اكبر أعياد الأقصر الدينية ويقدمون لهم الكباب الاقصرى الشهير وفى الصباح من يوم الرابع عشر بعد أسبوع من الاحتفالات الدينية والأذكار والألعاب البهلوانية وبيع الحلوى التقليدية ومواكب الطرق الصوفية يبدأ موكب التشريفة (الدورة) حيث يخرجون من ساحة الشــــيخ قارب ابوالحجاج مدهون بالطلاء اللامع تزينه خطوط أفقية ثلاث تتعاقب فيها الألوان الأزرق ثم الأبيض ثم الأحمر على قاعدة خضراء فيكتسى زينة وجمالا ويضعون القارب على عربة ذات أربع عجلات وقد غطى كل هذا بقماش ملون نفس القماش الذى يكسو ضريح الشيخ أما الأقمشة التى تكسو الأضرحة الخمسة بالمسجد من أسرة وأحباب القطب الرباني سيدى ابوالحجاج فانها تفترش هياكل خشبية توضع على ظهر خمسة جمال تكون قد آخذت زخرفها وتزينت وكبار الأسرة الحجاجية أحفاد الشيخ يتقدمون الموكب فوق خيولهم المطهمة التى لبست زخرفها أيضا الى جانب فرق من الشرطة ومواكب الطرق الصوفية كل طريقة تحمل شاراتها وأعلامها وأصحاب المهن فى كرنفال شعبى مميز 0
واذا دققنا النظر فوق نقوش جدران معبد الكرنك نجد أن الأجداد كانوا يمارسون نفس الطقوس فى عيد الاوبت عيد الإله امون حيث كان يخرج تمثال الإله امون فى احتفال مهيب مرة فى العام فى سفينته المقدسة وخلفه تماثيل موت وخونسوا باقى تماثيل ثالوث طيبة فيطوف أرجاء مدينته التى يتولاها بحمايته ورعايته نفس الاحتفال وننفس المراسم بل ونفس الطريق ونفس النهاية عند مسلة معبد الأقصر السامقة حيث ساحة سيدى ابوالحجاج الاقصرى 0
بالأمس عيد امون واليوم عيد سيدى ابوالحجاج والناس نفس الناس اهل الأقصر وما حولها ثم أحفادهم ومازالت السفينة رمزهم المقدس الحجر والناس فى الاقصر تحس فيهما بعبق التاريخ وامتداد الحضـارة واستمرار التراث الانسانى وتواصله بين المعابد التليدة والمسلات السامقة وصـــــور الفن المصرى التى تتحدى الزمن
عبدالمنعـــم عبد العظـــيم
Monemazim2007@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق