الخميس، 15 أكتوبر 2009
الدرويش الثائر
الدرويش الثائر
احمد الطيب البغدادى
كتب: عبدالمنعم عبدالعظيم
انه الفقيه الورع المجاهد الابى احمد الطيب البغدادى المولود بقرية جاو التى سميت (بالبغداى) احدى قرى الاقصر نسبة الى والده العارف بالله الشيخ احمد محمد عبيد البغدادى صاحب المقام المعروف والكرامات المشهودة والذى اقام ببغداد فارا من العنت الذى لاقاه بعد حادث لجارية مسلمة كنت ملكا لاحد الاقباط فاراد ان يتسرى بها فامتنعت ولجات الى الشيخ الذى عرض على صاحبها ان يشتريها ليحررها فرفض القبطى واستعدى السلطات علية لكن الشيخ لم يستسلم وواجه السلطات وفر الى بغداد زمنا ثم عاد فلقبه الناس بالبغدادى ونسبوا القرية اليه
وكان الشيخ وابنه قبلة للمحبين وساحتهم ملتقى المريدين وملجا المظلومين اشتهرا بالعلم والتقى واخلصا لله فصفت لهم القلوب والتف حولهم الاحباب
ورث الشيخ احمد عن والده التقوى والقوة فى الحق وعن اخواله ال سلطان وال رضوان العلم والتفقه فى الدين فكان عالما عابدا ياكل من حصاد يده ويفتح داره لاصحاب المقاصد ويرجع نسبه الشريف الى الحسين بن على رضى الله عنهما
وما كان يمكن لقصته ان تعرف لولا الكاتبة الانجليزية لوسى داف جوردان التى عاشت فى الاقصر للاستشفاء 1862-1869 وكانت تكتب زكرياتها فى مصر على شكل رسائل تبعث بها الى ابنتها جانيت واستطاعت هذه الرسائل ان تؤرخ لهذه المنطقة والاحداث التى عايشتها
فهى منطقة فقيرة مهمشة والناس فيها تشغلهم قضية الكدح من اجل لقمة العيش يعانون من مرارة الحياه حتى الملاحم الفنية التى تغنت بقصص مثل حسن ونعيمة وناعسة وادهم الشرقاوى وبهية وياسين لم تشغل بال فنانيهم الفطريين فقد انشغلوا بفن الواو والنميم والمواويل الحزينة مثل حياتهم
وكان يمكن لهذه الحكاية ان تندثر كما اندثر تاريخ طويل من النضال والكفاح فى مثل هذه المناطق النائية لولا هذه السيدة
ومن ضمن رسائل جوردان رسالتها المؤرخة فى 12 مارس 1865 التى حكت فيها قصة الشيخ
كانت سنة 1865 حزينة فى تاريخ هذه المنطقة من صعيد مصر حيت كانت بلدة صغيرة اسمها جاو على مدى غير بعيد من الاقصر مقر ثورة اميرها درويش من السلمية (العديسات الان) هو الشيخ احمد الطيب البغدادى بسبب مرور سفيتة بروسية تحمل عدد من الاروام التجار اعتدى عليها الاهلون وقتلوا كل من كان عليها وان عشرة من القرى قامت بثورة معلنة وان افندينا الخديوى اسماعيل جاء بنفسه وقضى على الاهالى قضاءا تاما
ثم تمضى فى رسالتها قائلة ان هذا الدرويش سار سيرة ابيه اذ كان ابيه درويشا قبله بثلاثين سنه وكانت مصر فى هذه الايام تعيش تحت حكم الخديوى وسطوة الامتيازات الاجنبية وتحكم صندوق الدين وكان التجار الاروام يمارسون ابشع انواع الاستغلال والابتزاز لفلاحى مصر فى حماية السلطات الحاكمة
يجوبون القرى ويقرضون الفلاحين بالربا ويحصلون على المحاصيل بابخس ثمن ويبيعون لهم باعلى الاسعار
وكان من الطبيعى لهذه النفوس الابية فى صعيد مصر ان يثوروا على الظلم ويقاوموا القهر فكانت ثورة جاو بقيادة الشيخ احمد الطيب البغدادى واشتعلت شرارة الثورة بعد ان انحاز الشيخ لجانب الفلاحين وامتدت الثورة لعشرة قرى بارمنت والاقصر
ولعل عنف الثورة والخوف من انتشارها حدا بالخيوى اسماعيل نفسه ان يقود حملة لقمعها والقضاء عليها
فقد كان للخديوى اسماعيل مصالح شخصية فى المنطقة اقطاعيته فى ارمنت ومصنع السكر الذى كان ملكا لدائرته السنية وبدبره شقيقة مصطفى فاضل وقصره الذى بناه فى ارمنت على الطراز الفرنسى لاستقبال امبرطورة فرنسا اوجينى فى حفل افتتاح مصنع السكر الذى واكب افتتاحه فتح قناة السويس
واستطاعت قوى البغى بقيادة خديوى مصر اسماعيل ان تقهر الثورة وان تقتل مالايقل عن الف من الاهالى وتنفى عدد غير قليل منهم الى فازوغلى يالسودان وان تبيد ثلاثة قرى تماما هى جاو (البغدادى) وبيدة التى عرفت من ايامها بنجع المظاليم وريانه (الرياينة الان)
ولكن الحملة لم تستطع ان تقضى على الدرويش الثائر احمد الطيب البغدادى الذى فر الى الجبل مع عدد من اتباعة وتقول الاسطورة انه عبر نهر النيل ماشيا على قدميه هو وصحبه وقيل وهم راكبى الخيول ومازالت قرى كثيرة حل بها بالصعيد تسمى اولاد الشيخ
وارادوا ان يشوهوا صورته فاتهموه بالشيوعية واحيانا بالجنون واشاعوا انه متصل بالجان ويمارس للسحر والشعوذة
ولقد تصدى لهذه المزاعم العارف بالله سيدى السيد يوسف الحجاجى والصحفية الانجليزية عاشقة مصر والمصريين لوسى داف جوردان والفرنى مونيه واكدوا ان تاريخ الشيخ مشرف وصفحته ناصعة سطورها جهاد من اجل مصر ودفاع عن الضعفاء والدعوة الى الله
وتمر الايام باع الخديوى اقطاعيته فى ارمنت للكونت الفرنسى دى فونتارس قبل ان يشتريها الاقتصادى المصرى احمد عبود باشا ومصنع السكر لشركة بلجيكية ثم امتلكها عبود ايضا قبل ان تتحول الى قطاع عام
وتوارت اسماء الطغاة وبقيت سيرة الدرويش الثائر احمد الطيب البغدادى رمزا للصمود والثورة
عبدالمنعـم عبدالعظـيم
الاقصــر – مصــر
Monemazim2007@yahoo.com
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق