الثلاثاء، 11 مايو 2010

المنديل ابواوية

المنديل ابواوية
كتب / عبدالمنعم عبدالعظيم
اعشق الفلاحة المصرية تعجنى رشاقتها وهى تحمل البلاص وتتمخطر على الموردة ساعة العصارى مع رفيقاتها .. أحيانا لا يكون المنزل محتاج الى ماء ولكنها الرحلة اليومية التى تتنفس من خلالها الهواء وتتمتع بالنسيم وتقتل جو القرية الرتيب ,
ويستهوينى أكثر زى الفلاحة الأسود الجرار أتصوره ليلا وهى فيه القمر
ولكن الذى كان يستهوينى أكثر المنديل ابو آوية على رأس الفلاحة بل وعند نساء الأحياء الشعبية مع الملاية اللف كنا نجلس أمام محل صديقى الرسام السيد فرح بشارع رأس التين نتفرج على بنات بحرى بالإسكندرية أيام دراستى هناك وكان ثالثنا الفنان ورسام الكاريكاتير الدكتور محمد عبدالمنعم حسن
نقف امام لوحات فناننا العظيم محمود سعيد اروع من صور بنات بحرى ولوحات سيف وادهم وانلى
وتمر الأيام فاسأل أين ذهب المنديل أبواويه غطاء الرأس التقليدى الجميل تاج المراة المصرية وهل هو فى طريقه الى الاندثار فى ظل انتشار الحجاب والنقاب رغم انه زى جميل ومحتشم ايضا .
اتغنى بما ابدعة الشعراء وغناه المطربين فى الزمن الجميل عن هذا المنديل0
الذى يجسد فن الآوية احد الفنون اليدوية التراثية وهو جزء اساسى من أشغال الإبرة
وبالرغم من ان هذا الفن ينسب بالدرجة الأولى الى الأتراك إلا ان تواجده عند قدماء المصريين كان أقدم فقد وجد لديهم ما يشبه أشغال الإبرة حيث كان النساجون يصنعون أنسجة موشاة بصور ملونة وكشفت الحفريات عن أقمشة كتانية موشاة باسلاك من الذهب فى مقبرة تحتمس بطيبة وقطع مشغولة بالإبرة فى مقبرة توت عنخ أمون كانت تعلق على جدران القصور فى منازل الأشراف
كما وجد فى الدير البحرى عينات من المنسوجات الكتانية المطرزة بما يشبه الحرير وفى احد قبور سقارة من العصر اليونانى الرومانى عثر على رداء من الكتان المذهب محلى بمناظر من الأساطير الدينية وفى العصر القبطى استمرت مزاولة غزل الكتان وكانت زخارف المنسوجات منقوشة بطريق التايسترى التى تورثها الأقباط عن الفراعنة وحافظوا عليها وهى الطريقة التى سماها العرب القباطى
والاويه نوع من الدانتيلا الرقيقة كانت تستعمل ككلفة لأطراف الإشغال المصنوعة من النسيج كالفساتين والقمصان الداخلية والمناديل والايشاربات
وقد اشتهرت بلاد الأناضول بصناعة مايسمى فى اللغة التركية اويا حيث كانت المراة التركية تطرز شريطا طويلا من القماش باستخدام خيوطا دقيقة من الحرير يالوان مختلفة بحسب الازهار التى تريد تطريزها وباستخدام إبرة دقيقة لتزين به عنقها وهذه الآوية صغيرة جدا وحجم كل زهرة فى الشريط بحجم حبة البسلة على الأكثر ونرى فيه من الورد والفلفل الأحمر بإزهاره وثمره والليلك والبنفسج وما خلق الله من الأزهار
كانت المراة التركية تبدع فى تطريزه على شكل شريط حريرى لاتفنى ازهاره اذا هبت الريح الشديدة فى شتاء الاناضول البارد
ويبدو ان فن الآوية قد انتقل من تركيا الى البلاد العربية التى فتحها العثمانيون بعد السلاجقة فى القرن الرابع عشر الميلادى
وبانتقال فن الاوية لمصر تقلص استخدامه فى نطاق منديل الرأس الذى يطلق عليه اسم القرطة فى محافظة دمياط واسم الحردة فى الصعيد وفى القاهرة وباقى المحافظات اشتهر بالمنديل أبو آوية
ولاسباب دينية التزمت المراة بتغطية راسها بالمنديل عملا بالتعاليم الدينية التى ترى ان شعر المراة عورة فهو اخف واجمل من الطرحة ويناسب الجو الحار فى مصر
لقد اندمج المنديل ابو اوية فى الزى القومى واصبج لباسا شعبيا واردته كل طبقات المجتمع المصرى المستويات ولكن كل طبقة اختلفت فى الخامات المستخدمة فى تنفيذه و مستوى الجودة فى التنفيذ ومستوى المودة التى يتطلبها هذا الزى
لقد استخدمت المرة الشرقية والمصرية على وجه الخصوص منديل الرأس ابو اوية لكن المنديل اتخذ أحجاما متباينه حسب المستوى الاجتماعى فقد عمدت الطبقة الارستقراطية عبر العصور الى استخدام الآوية فى المنديل اعتمادا على الانتقاء والى تكلفة المنديل بالخامات التى تصل فى بعض الأحيان الى استخدام الاحجار الكريمة والذهب وبشغل الإبرة الذى يحتاج الى صبر وجلد ووقت طويل ودقة متناهية
ومالت الطبقات الفقيرة والمتوسطة الى البساطة ورخص الثمن
ومالت ايضا الطبقات الفقيرة الى الالوان الزاهية اما الطبقات الاكثر يسرا فانها كانت تميل الى الالوان الهادئة
واستمدت الآوية على وجه العموم أشكالها وألوانها من الزهور الطبيعية
وفى الماضى كان المنديل أبواويه الزى الشعبى للطبقات الفقيرة والمتوسطة وبعد انتشار الحجاب والنقاب اصبح الزى المميز للطيقة الراقية
اسماء الاوية
اطلق على الاوية عدة اسماء حتى يميزو فى مصر الغرزة عن الاخرى
فمثلا غرزة الزرافة استخدمها الاتراك واليونانيون ثم الطبقة المصرية الراقية
غرزة المكوك والتى كاتن تصنع باستخدام عدد 2 مكوك من العظم او الخشب وهو مايستخدم فى اوربا وايطاليا فى عمل قماش الدانتيلا اليدوى ويستخدم فى مصر بطريقة مبسطة
المقصقص وهى اشهر طريقة فى مصر وهى الطريقة المفضلة خاصة فى دمياط وتندرج تحتها عدة أسماء مثل الفلا .. اثنين بترتر.. مقمغ ..حزمة الحطاب الشيخ على ..الشيخ على تلاثة مقصقص ..على عريجة مقصقص .. مروحة على خمسة ثم آوية الدبوس وهو نوع من اوية تستخدم فيه الأسلاك اللينة
كما توجد أنواع من الآوية تنفذ بإبرة الكروشيه
وقد استهوى المنديل وما كان له من تأثير جمالى كثرا من الزجالين والشعراء والمغنين والرسامين ذلك لان المرأة المصرية تفننت فى ربط المنديل بما يتناسب مع شكل وجهها ولون شعرها
فلم يكن المنديل فى جميع الحالات يغطى الشعر كله بل ان بغض النساء كن يغطين بالمنديل جزء من الشعر مع الإبانة عن خصلة منه مما كان يضفى جمالا على وجه المرأة
ولقد كانت الفتيات يتباهين بما لديهن من مناديل وبما فيها من آوية وكانت البنت قيل الزواج تجهز نفسها وتبدأ بمناديل الرأس وكان له فى نظرها مكانة هامة من بين ما كانت تجهزه لزوجها من ملابس مختلفة
وقد استحوذت محافظة دمياط على هذا الفن دون باقى المحافظات وقامت الاستادة بثينة عبدالجواد الأستاذة بالمعهد العالى للتربية الفنية بالزمالك ببحث ميدانى بدمياط والعزب التى ينتشر فيها هذا الفن ولاحظت ان معظم المشتغلات بالآوية بدان فى تعلمها فى سن صغيرة وتم التعليم فى نطاق الأسرة ووجدت ان بالقاهرة من يقمن بهذا العمل فى الإحياء الشعبية كالإمام الشافعى ودرب البرابرة ومصر القديمة ودعت الى إنشاء مدرسة مصرية تجمع أنواع الفنون الشعبية لحماية فنونا الشعبية من الاندثار
وبالمناسبة فان كل أقاليم مصر كانت تصنع هذا المنديل وكان حرفة النساء فى البيوت مثل حرف كثيرة طلقتها البيوت المصرية مع التقدم الصناعى واستخدام الآلات فى التصنيع ولكن يظل للأشغال اليدوية قيمتها الفنية والإبداعية
لعلها دعوة الى الحفاظ على هذا التراث الجميل من الاندثار حتى يعود للفلاحة المصرية وجهها الجميل وزيها المميز حقيقة انها لن تستطيع ان تتمخطر على الموردة او تشاغل الواد الأسمر من خلف المشربية ولكنا بحاجة الى الصورة الجميلة التى جذبت خيال المبدعين فى الزمن الجميل
عـبدالمنعــم عـبدالعظيــم
مدير مركز دراسات تراث الصعيد الاعلى
الاقصــر .......... مصـــر
Monemazim2007@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: