الثلاثاء، 13 يوليو 2010

ادريس نبى من مصر

إصدارات جمعية رواد الثقافة بأرمنت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ




إدريـــــس
عليه السلام

نبى من مصـــــــر


عبدالمنعم عبدالعظيم


إصدارات جمعية رواد الثقافة بأرمنت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


إدريـــــس
عليه السلام

نبى من مصـــــــر


عبدالمنعم عبدالعظيم

بسسم الله الرحمن الرحيم


" واذكر فى الكتاب إدريس انه كان صديقا نبيا "
" وإسماعيل وإدريـــــــــــس وذا الكـــــــــــفل كل من الصابرين"

صدق الله العظيم


إهداء
إلى مصر
جزء من فيضها الذى لا ينضب
وعطائها المتدفق الممتد
ولكل أحباب مصر
والى حفيدتى أية ايمن عبدا لله
هذه الوريقات




مقـــــــــدمة

عزيزي القارىء

هذه الصفحات مجرد محاولة لقراءة التاريخ المصرى العريق عراقة هذه الحضارة الإنسانية الرائدة التى نبتت وارتوت وينعت وأثمرت على شاطى نهر النيل العظيم0
تلك الحضارة التى انسابت فى عظمة وتدفق وفيض لتروى ظمأ الدنيا إلى المعرفة للمعرفة وتضع لبنات التمدن والتحضر حتى أينعت ووضعت أسس العلم والحكمة والتقدم وظلل إشعاعها الدنيا باسرها0
ومنذ أن بدأ التاريخ فى إعادة تصحيح أوراقه ليعيد لهذه الحضارة اليانعة الوارفة حقها ومكانها ومكانتها فى السبق والريادة بعد أن تمكن عالم المصريات الفرنسى الشهير "جان فرنسوا شامبليون " فك طلاسم حجر رشيد الذى اكتشفه صدفة ضابط بالحملة الفرنسية على مصر يدعى بوشارد بقلعة رشيد فأصبحت هذه الحضارة كتابا مفتوحا يؤكد سبقها بعد أن توهم العالم أن الحضارة القديمة بدأت من اليونان الإغريقية 0
ولعل أوسع خطوة خطاها الإنسان نحو المدنية والتحضر كانت اختراعه للكتابة التى تؤكد كل الشواهد والآثار إنها بادرة مصرية خالصة لم يسبق احد مصر فى فضل وفضيلة ابتكارها 0
ومع الكتابة وأول مخلوق على وجه البسيطة خط بالقلم نبى الله إدريس عليه السلام نحاول أن نقف أمام بعض الشواهد فى رحلة من وحى هذا التراث الخالد 0
لعلها مجرد محاولة لاستقراء صفحات من تاريخنا المجيد الذى من حقنا أن نعتز به ونفخر اعتزازنا بمصريتنا ونبجله تبجيلنا لهذا الثرى الطيب الطاهر المعطاء الذى انبت وأورق وأثمر وأينع هذه الحضارة الخالدة على ربى ضفتي النيل الخالد
عبدالمنعم عبدالعظيم






الفصل الأول




فى رحاب التاريخ







الفصل الاول – فى رحاب التاريخ

نبدأ رحلتنا من هذه المدينة المقدسة 00 مدينة الثمانية آلهة الاشمونين فى موقع يتوسط مصر 00انها عاصمة الإقليم الذي احتضن رسالة التوحيد عندما لجا إليها أول من نادى بالوحدانية اخناتون فرارا من غدر كهنة آمون فى طيبة 00وعلى تخومها أقام عاصمة مملكته الموحدة اخناتون (تل العمارنة) التى ظلت مركز إشعاع الدعوة الجديدة حتى نجح كهنة آمون فى التآمر عليه وعادت العاصمة كرة أخرى إلى طيبة فى عهد الملك الطفل توت عنخ آمون وعادت السيادة للأمونية 0
وهى إحدى المدن التى مرت بها العائلة المقدسة السيد المسيح عليه السلام وسيدة نساء آهل الجنة السيدة العذراء مريم ابنة عمران وخطيبها يوسف النجار الذى فروا من غدر الحاكم الرومانى هيرود ومؤامرات اليهود
ومن إحدى قراها حفن ( قرية الشيخ عبادة) خرجت السيدة مارية القبطية هدية من المقوقس عظيم القبط فى مصر إلى الهادى البشير محمد صلى الله عليه وسلم لتقر فى اشرف بيت فى الوجود بيت النبوة سرية لنبى الله ورسوله وهى التى أمنت بدعوته قبل أن تشرف بلقاؤه وأعطت له ما لم تعطه اى من أمهات المؤمنين ابنه إبراهيم 0
ومن قبلها ومن مدينة ليست بعيدة منف (البدرشين) خرجت أيضا السيدة هاجر المصرية إلى تلك الأرض الجرداء القاحلة الجدباء لتنبت فيها ذرية ابنها إسماعيل عليه السلام وليصبح البيت الذي رفع قواعده وأبيه إبراهيم عليه السلام قبلة الموحدين وملتقى المؤمنين ومستقر العابدين0
ومن تلك الذرية الطيبة اصطفى الله سبحانه وتعالى خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم 0
إنها نفس المدينة التى أطلق عليها الإغريق اسم هرموبوليس وكانوا يصفونها بالعظمى نسبة إلى ذلك الرجل الذى عاش على أرضها وسطر فى سفر الحضارة الإنسانية بادرة لم يسبقه إليها كائن من البشر 0
هذا الرجل الذى كان يرأس بيت الحياة فى تلك المدينة والذي عاش فى أساطير الأجداد وألهه المصريون القدماء واعتبروه اله الحكمة فى اللاهوت المصرى القديم 0
كانت مهنته حياكة الثياب بل هو أول من حاكها 0
ولقد كان عالما موسوعيا كما قال ديورانت فى قصة الحضارة الجزء الأول انه ألف عشرون ألف كتاب فى العلوم التى وضعها بل أن المؤرخ المصرى ميثون الذي عاش عام 300 ق0م قدر مؤلفاته بستة وثلاثون ألف كتاب 0
وكان للرجل من العظمة ما جعله مبجلا عند غير المصريين أيضا
فقد بجله الآشوريين وادمجوه فى اله الحكمة عندهم ( تابو) وعظمه الإغريق وادمجوه فى اله الحكمة (عطارد) وكانوا يلقبونه بالرجل مثلث العظمة ثلاث مرات عظيم
وقالوا انه واضع متون كتاب الموتى الذى عثر عليه فى مدينة الشمس اون (عين شمس) مكتوبا بخط يده ولقد نسجوا حوله العديد من الأساطير 00
تقدمه إحدى تلك الأساطير باحثا عن عين القمر التى توارت فكان أن عثر عليها فى مكان بعيد واحضرها وفى اسطورة إيزيس وأوزوريس اشهر الأساطير الفرعونية
قالوا انه ملأ عين حورس بلعابه فشفاها
وقالوا انه حاسب المواقيت الذى ينقش أعوام الملك على ساق نخلة انتزعت غصونها وكان يكتب على فاكهة شجرة البرساء( اللبخ) المقدسة اسم الملك ليصبح عصره يانع الخضرة إلى الأبد
وقالوا أيضا أن الساعة المائية كانت معروفة عند المصريون القدماء منذ زمن بعيد وكانوا يعزون اختراعها إليه
انه الإله الذي اخترع الكتابة وأول من خط بالقلم كاتب التاسوع الالهى ذو الأنامل الماهرة0
لقد كانت معرفته للكتابة تضفى عليه قدرات رهيبة وساحرة واليه يرجعون اختراع اللغات وفن إجادة الوصف (البلاغة) وكانوا يلقبونه بكاتب الآلهة والمشرف على حساب الموتى
كان له فى اللاهوت المصرى القديم قدسية خاصة ووضعته الأساطير فى مصاف الآلهة التى خلقت الكون وأبدعته ونظمته 00 اعتبروه اله الحكمة والتعليم والسحر وراعى الفنون
ذلك انه مبتكر الكتابة والأرقام وعلوم الحساب والهندسة والفلك وما إليها من المعارف التى قيل انه ضمها عشرون ألف كتاب وضعها طبقا لتقديرات علماء المصريات فى عصر ما قبل الأسرات وظلت صورته موضع تبجيل وتكريم وبركة تزين جدران المعابد والمقابر والبيوت والتماثيل كانوا يصورونه حاملا لأدوات الكتابة التقليدية القلم والمحبرة أو يصورونه يراجع حساب الموتى حسناتهم وسيئاتهم يوم الحساب يقرا الميزان الذي كان يوزن فيه قلب الإنسان فى إحدى كفتيه مقابل ريشة الحقيقة فى الكفة الأخرى.
بل قيل أيضا أن أوراق اللعب (الكوتشينة) مقتبسة من كتاب فرعونى من مؤلفاته.
إن فن الكتابة ولاشك اخترع أول ما اخترع فى مصر القديمة ومن المؤكد أيضا أن تحوتى المصرى هو مبتكر هذا الفن ومبدعه ورائده.
وككل الرواد لم يكن طريقه سهلا ولم تكن مسيرته مفروشة بالورود لقد اعتراضه أول ما اعترضه رفض الملك تحام ( آمون) لفكرة ألكتابه ظنا منه إنها تهدم المدنية هدما وكان فى تقديره أن الأطفال أو الشباب الذين كانوا مرغمين على بذل جهدهم فى حفظ ما يتعلمونه ووعيه لن يبذلوا هذا الجهد إذا ما دخلت الكتابة ولن يجدوا بعدها حاجة إلى تدريب ذاكرتهم 0
لكن تحوتى لم يستسلم ولما اعيته الحيلة نقل معرفته إلى الفينيقيين فأعجبوا بها 00وادعوا فيما بعد فضل ابتكارها بعد أن خرجت من منبعها الأصيل فى مصر وغمر إشعاعها الدنيا بأسرها 0
ان تحوتى وليس فى مقدور احد أن يشكك فى هذا هو نفس الشخص الذي يطلق عليه المؤرخ الاغريقى سانشوتيانون اسم تاؤوت ناسبا إليه اختراع الكتابة والحروف الهيروغليفية
إن اسم تحوتى كان يلفظ بطرق مختلفة طبقا لاختلاف اللغات وتعدد اللهجات التى يمر الاسم من خلالها ومع ذلك من السهل التعرف عليه فى معظم التحريفات التى تناولته وهو على الدوام وفى كل الأحوال مخترع الكتابة والحروف سواء كان هذا الاسم تحوتى 00تحوت00تحات00 تـــاؤوت00توت00توث00ثوث00سوت00سوتين اخنوخ 0تديس00ديس00ادرس00ادريــــــس00ترخمنتيس 00 هرميس00هرمس00هرمز00هرميز
إن كل شيء يدفع على الاعتقاد كما جاء فى كتاب وصف مصر الجزء السابع أن الاسم كان فى الأصل صفة تشير إلى موهبة وكفاءة هذا المبتكر أكثر من مجرد اسم لشخص معين ففى اللغة المصرية تحوتى معناه أبو العلوم وفى اللغة الإغريقية هرميس صفة لمعنى من هذا النوع وفى اللغة العربية إدريس من الدرس والمدارسة.
ويؤكد الفيلسوف الاغريقى أفلاطون صاحب الجمهورية فى مؤلفه (كارنليوس) فى مقاله عن المعنى الحقيقى للكلمات إن الاشتقاق اللفظى لكلمة هرميس انه الشخص الذي اخترع الكتابة أو الخطيب الرائع المتميز.
وفى معنى كلمة تحوتى أو هرميس وفى كل اللغات واللهجات إشارة إلى كفاءة هذا الشخص وان الإغريق وغيرهم لم يفعلوا أكثر من ترجمة معنى الاسم من اللغة المصرية إلى لغاتهم ففى اللغة الإغريقية هرميس مشتقة من كلمتين أر ، ميس وتعنى أبا العلوم0
وعندما تحدث المؤرخ ديودور الصقلى عن القرون الأولى لحضارة المصريين القدماء قال أن أوزوريس كان يكن تقديرا كبيرا لهرميس إذ تعرف فيه على بصيرة حادة فى اكتشاف الأشياء التى بمقدورها أن تساهم فى إسعاد البشرية0
وقال أن هذا الشخص هرميس كان أول من حدد نطق كلمات اللغة العادية وأعطى لأشياء لم يكن لها مسميات من قبل أسماء وابتكر الحروف الهجائية وعلم الناس عبادة الإله وتقديم النذور والتضحيات وقام بدراسة حركة النجوم وهو أبو البيان ومن هنا لقب بهرميس0
وتحدث أيضا الفيلسوف الاغريقى سقراط فى مؤلفه عن أفلاطون الذى عنوانه فيليب عن هذا الشخص المصرى تحوتى مؤلف فن الكتابة وعلم قواعد اللغة ( الاجرومية) كما أكد بلوتارك أيضا أن هرميس هو مخترع الحروف الهجائية0
وفى شقفة سانشونياتون التى أشار إليها المؤرخ اليهودى يوسفوس إن تاووت هو الذي اخترع العناصر الأولية للكتابة والذي كان يسميه المصريون تحوتى واسماه الإغريق هرميس
وذكر كليمانس السكندرى نص الحوار بين الملك تحام (آمون) رب أرباب طيبة الذي قاوم انتشار الكتابة وبين تحوتى مخترعها ومبتكر حروفها عندما تقدم تحوتى إلى بلاطه يطلب الإذن باستعمال هذه الحروف فى تنظيم أحوال مصر محبذا استخدامها باعتبار أن منبر الكتابة هذا أفضل الوسائل لتقوية الذاكرة ولنشر العلوم فرد عليه تحام بهذه الكلمات التى نقلها أفلاطون فى محاورة فايدروس:
00 اى تحوتى يا شديد الولاء والإخلاص هناك شيء أخر حرى بان تراعيه عند تدوين المؤلفات الفنية شيء لابد أن تعرفه قبل أن تصدر حكما سليما عن الفوائد التى سوف يجلبها فن الكتابة لمن يستخدمونه 0
انك يامن هو أب لحروف الهجاء تتذرع طبقا لعاطفتك نحو هذه الحروف بأفكار هى عكس للاثرالذى لابد لها أن تحدثه ذلك إن استخدام هذه الحروف حين يؤدى إلى إهمال تنشيط الذاكرة الخصبة وسوف يبذر بذور النسيان فى عقل من سيعتبرونها ولسوف يستريح هؤلاء على هذا النحو إلى ما ستقدمه لهم الحروف فى بناءها الخارجى ولن يستو عبوا فى عقولهم بعد الأشياء (المعرفة) فى ذاتها وهكذا فانك قد ابتكرت الوسيلة التى تستدعى الذاكرة وليست تلك التى تحفظها وانك بهذه الوسيلة ستقدم لتلاميذك آراؤنا فى العلم أكثر مما تعطيهم المعرفة00 فهم عندما سيقراون كل شيء دون أن يقودهم فى ذلك معلم مثقف غزير المعرفة لانه بدوره معتمد على ماهو مدون وليس على ما تحتفظ به ذاكرته ولسوف يبدون أمام عامة الناس فى شكل من يعرفون الكثير فى حين لن يكونوا عندئذ سوى جهال وهكذا يصبحون أكثر تنافرا مع المجتمع لأنهم لن يكونوا قد تبحروا فى العلم ذاته بل سيكونون مخدوعين بالفكرة التى سيكونونها عن أنفسهم (عن غير حق)
ورغم ذلك نجح تحوتى فى نشر فن الكتابة برغم كل الذى عاناه من اجل هذا من عنت 00
وفى كتاب متون هرمس حكمة الفراعنة المفقودة تأليف تيموثى فريك وبيتر غاندى ترجمة عمر الفاروق عمر قدس تحوت فى مصر القديمة قبل عام 300 قبل الميلاد على اقل تقدير كما يعزى إليه اختراع الكتابة الهيروغليفية وتصوره حائطيات المعابد الفرعونية والمقابر على شكل طـــائر تحوت ( ابومنجل) وقد كان رسول الآلهة وكاتب أعمال الإنسان وهو الذي يقرر فى الحياة الأخرى فى قاعة المحكمة العظمى لاوزير ما إذا كان المتوفى قد اجتاز مرحلة روحية وطهارة بحيث يستحق مكانا فى السماء 0
هل هناك شك بعد إن اجمع مؤرخى التاريخ القدامى واساطنة الفلسفة والشواهد التاريخية الباقية على جدران معابد مصر القديمة ومقابرها إن مصر هى مهد فن الكتابة وان هذا المصرى تحوتى الذي كرمه المصريون وغيرهم وجعلوه إلها للحكمة وسموا أول شهور السنة القبطية ( المصرية القديمة ) باسمه شهر توت هو مبتكرها
وان تحوتى التى تعنى أبا العلوم ترجم بمعناه إلى اللغة الإغريقية إلى هرمس وفى السريانية اخنوخ وفى اللغة العربية باسم إدريس 0
كان الناس فى مصر القديمة يترنمون بأناشيد تبجيله:
ياتحوتى ضعنى فى هرموبوليس00
مدينتك التى يحلو فيها العيش00
اعطني ما يلزمنى من الخبز والجعة00
واحفظ فمى من الألفاظ 00
هل يكون تحوتى إلى الخلف منى هذا الصباح
احضري أيتها الكلمة الإلهية 00
عندما ادخل أمام الإله سيدى
حتى أكون صادق القول00
أنت يا من تجلب الماء إلى المكان القاصى00
أقدم وانقذنى أنا الصامت 00
يا تحوتى أيها النبع العذب للإنسان الذي أصابه العطش فى الصحراء00
انه مغلق لذاك الذي يحد الفاظه00
ولكنه مفتوح للصائب عند حضور الصامت يجد النبع 00
وهاهو دعاء لتحوتى قدمه وزير الملك امنتحتب الثالث ( امونوفيس) فى ذروة العهد الامبراطورى:
التحية لك 00 سيد الألفاظ الالهية00
يامن ترأس الشعائر المحجوبة 00
وتستقر فى السماء وعلى الارض00
الإله العظيم منذ الازل00
ذو الاصالة00
يامن تعمل على تزايد الدور 00
وتؤسس المساكن 00
يامن تحيط الآلهة علما بدورها00
وكل فن بقواعده00
آلهة والأقطار بحدودها وكذلك الحقول 00
نترك الاشمونين مدينة الثمانية هرموبوليس مدينة الإله هرميس مهد أسرار فن الكتابة وعاصمة الإقليم الذي خرجت من إحدى قراه فتاة فى ريعان الصبا ومقتبل الشباب تمتلىء حيوية وتتفجر أنوثة من أسرة مصرية لها مكان بين القبط عظيم من قرية حفن إحدى أعمال مدينة انصنا قبالة ملوى بمحافظة المنيا والتى سميت باسم الشيخ عبادة نسبة إلى الصحابى الجليل عبادة بن الصامت 0خرجت زينة شباب القرية إلى اشرف ملتقى والى ارفع بيت على وجه البسيطة بيت النبوة هدية من مصر الكنانة وعظيمها المقوقس ( جورج بن مينا) إلى نبى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بصحبة الصحابى الجليل حاطب بن أبى بلتعة اللخمى تلكم الجارية هى مارية بنت شمعون وكان الإيمان بالله الواحد جزء من تراث وثقافة هذه المنطقة من مصر المحروسة والتى لجا إليها برفقتها أختها سيرين التى وهبها صلى الله عليه وسلم إلى شاعر الرسول حسان بن ثابت والتى أنجبت منه ابنه عبدا لرحمن
سارت مارية فى نفس الطريق الذى مرت به السيدة هاجر المصرية أم إسماعيل عليه السلام بن أبو الأنبياء وخليل الله إبراهيم عليه السلام0
وفى هذا الطريق تفتح قلبها للإسلام بعدما سمعت ما سمعت عن الرسالة والرسول وغرد فى قلبها ووجدانها نداء التوحيد قبل أن ترى سيد الموحدين صلى الله عليه وسلم وشاء لها القدر إن تعطيه مالم تعطه إحدى عشر امرأة ضمهن بيت النبوة ابنه إبراهيم كما أعطت من قبل السيدة هاجر المصرية لهذه الأرض المقدسة ابنها إسماعيل عليه السلام 0
وظل المصريون يتبركون بقرية مارية ويسمون أولادهم حفنى نسبة اليها0
ربما كانت إحدى أحفاد هذا الحكيم المصرى العظيم توت أو تحوت حيث كان التوحيد أيضا أول دعاة التوحيد اخناتون فرارا بدعوته من سطوة كهنة آمون وأسس على تخومها عاصمته أفق أتون ( اخناتون) تل العمارنة
كان هنا مهد رسالة التوحيد منذ ما يقرب من ثمان عشرة الف سنة قبل الميلاد وظل فى وجدان هذا البلد العظيم مصر وسيظل إلى أن يرث الله الأرض وما عليها




الفصل الثانى

إدريس هذا النبى


الفصل الثانى – إدريس هذا النبى
لا يوجد فى مصادر التاريخ المكتوب ما يمكن أن نقول عنه التاريخ الكامل الصادق لهؤلاء الصفوة من البشر والخلاصة من خلق الله البارىء الخالق المصور العظيم سبحانه وتعالى الذين اصطفاهم وأرسلهم لهداية البشرية وحملهم هذه الأمانة العظيمة وتلك الرسالة السامية وهذا الشرف الذي مادونه شرف 0
إن البشر كل البشر مهما بلغ بهم العلم والصدق تقصر إمكانياتهم عن الوصول إلى الكمال إذ لا يعرف الأنبياء إلا من نبأهم ولا يعرف المصطفيين إلا من اصطفاهم و أرسلهم فقد بعث الحق سبحانه تعالى فى كل امة بالحق رسولا منهم أو نبى
" وان من امة إلا خلا فيها نذير " فاطر 24
لقد كانت رسالتهم هداية البشرية لعبادة الخالق الواحد سبحانه وتعالى واجتناب الطاغوت00
ولقد اجمع علماء التفسير والسير على أن النبوة بدأت بأب البشرية ادم عليه السلام وبوجوده على الأرض واستمرت الرسالات تترى حتى كملت بخاتم الأنبياء والمرسلين المبعوث رحمة للعالمين الصادق المصدوق الأمين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم
وفى كل حين ساد فيه الفراغ الروحى وتفشى فيه الفساد الاجتماعي تطلعت الحياة إلى مصلح يرد للحياة اعتبارها وللإنسان قيمته وللإنسانية طمأنينتها ويصلح به الله سبحانه البلاد والعباد 0
والنبوة كما قال الفقهاء هبة يهبها رب العزة سبحانه وتعالى لمن أهله لها من عباده المؤمنين 0
وهذا النبى إدريس عليه السلام الذي يطالعنا اسمه فى الإصحاح الخامس من سفر التكوين احد أسفار العهد القديم (التوراة) باسم اخنوخ 0
وفى القران الكريم فى الآية 56 من سورة مريم:
"واذكر فى الكتاب إدريس انه كان صديقا نبيا ورفعناه مكانا عليا "
وفى الآية 85 من سورة الأنبياء:
" وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين "
من هذا النبى الصديق الصابر الذي رفعة الله سبحانه وتعالى مكانا عليا مع أولئك الذين انعم الله عليهم من النبيين من ذرية ادم عليه السلام وممن هداهم الله واصطفاهم واجتباهم وأدخلهم فى رحمته أولئك الصالحين بقول النسفى فى تفسيره وابن هشام فى سيرته وابن إياس فى تاريخه بدائع الزهور فى وقائع الدهور:
انه اخنوخ وهو إدريس (لكثرة دراسته) بن يرد ( الظابط) بن مهلائيل (الممدح) بن قينان (المستوى) بن انو ش (الصادق) بن شيت ( عطية الله) بن ادم عليه السلام وهو جد نبى الله نوح عليه السلام
ويقول الحافظ بن كثير فى تفسيره تفسير القران الكريم جزء 3:
جاء ذكر إدريس فى القران الكريم بالثناء عليه بأنه كان صديقا نبيا وان الله رفعه مكانا عليا وقد تقدم فى الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به فى ليلة الإسراء والمعراج وهو فى السماء الرابعة وعن ابن عباس رضى الله عنهما أن إدريس كان خياطا فكان لا يغرز الإبرة إلا وقال سبحان الله وكان يمسى وليس على الأرض أفضل عملا منه
ويقول النسفى:
هو أول مرسل بعد ادم عليه السلام وأول من خط بالقلم وخاط اللباس ونظر فى علم النجوم والحساب واتخذ الموازين والمكاييل والأسلحة فقاتل بها بنى قابيل وكان صديقا نبيا انزل الله عليه ثلاثين صحيفة
وقال ابن اسحق فى قصص الأنبياء:
هو إدريس بن يرد بن مهلائيل بن قينان بن انوش بن شيت بن ادم واسمه اخنوخ وسمى إدريس لكثرة دراسته فى الكتب وصحف ادم وشيت وكان أول من خط بالقلم وأول من خاط الثياب ولبس المخيط وأول من نظر فى علم النجوم والحساب بعثه الله تعالى إلى ولد قابيل ثم رفعه إلى السماء على ما قاله بن عباس وكان إدريس يصوم الدهر
وفى صحيح البخارى وصحيح مسلم من حديث المعراج الذي رواه أبى ذر الغفاري رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى بنبى الله إدريس فى السماء الرابعة 0
وعن انس بن مالك قال أن أبا ذرالغفارى قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كان إدريس نبيا ورسولا وانه أول من خط بالقلم 0
وكتب ابن إياس فى كتابه بدائع الزهور فى وقائع الدهور:
اخنوخ وهو إدريس عليه السلام قال وهب بن منبه ما سمى باسم إدريس إلا لكثرة دراسته فى الصحف قال ابن عباس بعث الله إدريس إلى بنى قابيل وكانوا يعبدون الأصنام وحادوا عن توحيد الله سبحانه وتعالى واتخذوا لهم خمسة أصنام يعبدونها من دون الله ود وسواع ويغوث ويعون ونسرا التى ذكرها الله فى القران الكريم فلما تزايد أمرهم بعث الله إليهم إدريس عليه السلام فكان يدعوهم فى الجمعة ثلاثة أيام وكان عند إدريس شدة وصلابة فى أمره ونهيه وهو أول من خط بالقلم وأول من كتب الصحف وأول من نظر فى علم النجوم والحساب وأول من خاط الثياب ولبس المخيط وكان إذا ما خاط غرزة سبح الله وكان لاياكل إلا من كسب يده وهو أول من صنع المكاييل وانزل الله عليه ثلاثين صحيفة كان لا يفتر عن قراءتها صباحا ومساءا وكان الله يرفع لإدريس من العبادة بقدر ما يرفع لغيره من كل الناس 0
وفى قصص الأنبياء والرسل للأستاذ محمد إسماعيل إبراهيم:
انه سمى إدريس لأنه كان سميع للدراسة والعلم والحكمة وكان يدرس علم الفلك وانه كان يقطع الأشجار ويصنع الأثاث وشيد القصور ولبس الخصوف وبنى المدن واسمه هرمس الهرامسة اى حكيم الحكماء وان أهل فارس جعلوا منه ملكا للأقاليم السبعة
وجاء فى كتب فضائل مصر وأخبارها وخواصها لابن زولاق:
ومن مصر جماعة الحكماء كهرمس وهو المثلث بالنعمة نبى وحكيم وملك وهو الذي ضرب النحاس ذهبا وهو الذي بنى الهرمين الكبيرين وقيل هو إدريس النبى عليه السلام
كما جاء فى كتاب فضائل مصر المحروسة لعمر بن محمد بن يوسف الكندى:
ومنهم هرمس المثلث النعمة نبى وملك وحكيم هو الذى صير الرصاص ذهبا 0
ووقف الأستاذ احمد بهجت فى كتابه أنبياء الله عند ظاهر النص القرانى فقال:
لا نعرف متى عاش إدريس ولا من كان قومه ولا كيف رفعه الله مكانا عليا وأضاف أن الأساطير تقول إن إدريس هو أوزوريس بطل الأسطورة المصرية المشهورة وقد كان إلها فرعونيا ثم أردف ربما كان إدريس نبيا كريم قد بعث فى مصر ورفعه الله مثل عيسى عليه السلام ولما رفع امن به قومه وجعلوا منه إلها فى الأسطورة ونحن لا نعرف إلا انه كان صديقا نبيا 0
وقال الإمام النسفى فى تفسيره أن المكان العلى الذى رفعه الله إليه فى الآية الكريمة هو شرف النبوة والزلفى عند الله وقيل إنها السماء الرابعة حيث التقاه الصادق المصدوق محمد صلى الله عليه وسلم عند معراجه وقيل إنها الجنة وقيل انه رفع كما رفع الله المسيح عليه السلام
كما نسجوا من حكاية رفعه أساطير انكرها ثقاة المفسرين وقالوا إن من رواتها كعب الأحبار وأنها من الإسرائيليات وقال الحافظ بن كثير فى البداية والنهاية أن إدريس النبى يسمونه هرمس الهرامسة:
وفى كتاب النصرانية والإسلام للدكتور عزت الطهطاوى انه جاء فى مذكرات العالم الاثرى مانيتون:
أن هناك أنبياء ورسلا قاموا بنشر الدعوة إلى الله بين المصريين القدماء ودعوا إلى توحيده وعدم الإشراك به واخص هؤلاء نبى الله إدريس عليه السلام الذى انتقل من مصر إلى الهند ليستأنف دعوة التبشير والوحدانية إلى الله وكان على علم بلغات أهل الأرض جميعا فقد كان يحدث كل قوم بلهجتهم ولهجاتهم وكان أول من عرف الكتابة والعلوم الكونية والجيولوجيا والرياضيات
وفى كتاب سندباد مصرى للدكتور حسين فوزى أن العلامة أبو الفرج هارون المعروف بابن العبرى يقول هيرمس طرسمجسطس اى المثلث الحكمة هو إدريس العرب وربما كان أيضا اخنوخ بن متشالح وان معلم هرميس كان اغاثاديمون المصرى و أن اسقليبادس الملك واحد ممن اخذ الحكمة عن هيرمس0
ويقول الإمام محمد ابوزهرة إن دعوات التوحيد الخالص بعبادة اله واحد فرد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد قد تواردت على العقل المصرى وكان من بين أولئك الرسل والأنبياء الذين أرسلهم الله إلى المصريين القدماء النبى العظيم إدريس عليه السلام والذي كان من ألقابه كما يذكر القفطى والالوسى والشهرستانى والمسعودى وابن حزم وغيرهم هرمس وهو أول داع للتوحيد ويذكر الالوسى وكان إدريس قد ولد بمصر فدعا الخلق إلى عبادة الله الواحد سبحانه وتعالى فأجابوه حتى عمت ملته الأرض وكانت ملته هى توحيد الله تعالى ويذكر المقدسى أن إدريس أول من دعا الناس إلى عبادة الله وكذلك يذكر القفطى وابن العبرى وابن أبى اصيبعة وغيرهم
ويقول الدكتور نعيم السيار:
أن إدريس هو الذى وضع للمصريين القدماء أركان الدين والعبادة كما كانت له مواعظ ووصايا
ويقول المؤرخ المصرى احمد نجيب وأرسل إلى للمصريين هرمس ويعرف عندنا باسم إدريس
ونقل المقريزى فى كتابه التنبيه والإشراف:
إن سكان مصر يعتقدون نبؤة هرمس
وذكر ابن خلدون أن إدريس هو أقدم الأنبياء
وذكر القرطبى أن إدريس أول من أعطى النبوة وأيد ذلك ابن السائب والطبرى
وفى دراسة عن أنبياء مصر عبر التاريخ كتبها الدكتور محمد عمارة ونشرتها مجلة الهلال عدد يونيو 2000
لقد بدأت النبوة بآدم عليه السلام ثم تلاه شيت ومنذ حياة ادم فى فجر الإنسانية اصطفت مشيئة الله مصر كنانة الله فى أرضه لتبدأ على أرضها النبوة والرسالة الدينية ففى ربوعها وانطلاقا منها كانت بعثة نبى الله إدريس الذي مثل فى سلسلة النبوة ثالث الأنبياء والذي عاش وبعث فى حياة ادم عليهم جميعا الصلاة والسلام
وإذا كان ادم قد وقفت علاقته بالشرائع الإلهية عند النبوة فقط ولم يكن رسولا وإذا كان هذا هو حال شيت أيضا الذي لم يحفظ لنا التاريخ الوطن الذى عاش فيه
فان الوضع مع إدريس كان متميزا فهو معدود ضمن الأنبياء المرسلين ولقد حفظ لنا التاريخ خاصة تاريخ الحكمة والحكماء ذكر مصر باعتبارها الوطن الذي بدأت فيه أولى وأقدم رسالات السماء إلى الإنسان على يد إدريس عليه السلام لقد ولد إدريس وخرج بمصر وجال الأرض المعمورة يومئذ كلها وعاد إلى مصر وفيها بعث حتى رفعه الله مكانا عليا بعد اثنين وثمانين عاما واسمه فى التوراة العبرية اخنوخ أما فى اليونانية فاسمه هرميس وعرب اسمه الى ادرس ولأبوته ومرجعيه رسالته فى الحكمة سمى هرمس الهرامسة وترجمت له كتب طبقات الحكماء مع كتب قصص الأنبياء
ويضيف ومعنى ذلك أن مصر قد دخلت فى دين الله وعرفت التوحيد وحيا إلهيا وليس وضعا بشريا وإفرازا إنسانيا وتلقت علم النبوة واحتضنت الرسالة السماوية منذ فجر الإنسانية
بل إن ما بقى لنا من قصص نبى الله ورسول مصر إدريس عليه السلام ليوحى بان هذا العمق الحضارى والسبق فى التمدن الدنيوى الذين تميزت بهما مصر قبل سائر الحضارات إنما كانت لهما عروة وثقى بعلم النبوة الذي جاءها به رسولها إدريس عليه السلام فأمومتها للدنيا هى جزء من أمومتها للدين فمنذ فجر الإنسانية تميزت الرسالة التى شرفت بها مصر بعلوم الحكمة والتمدن والسياسة المدنية وعلوم الكون الأرضية منها والسماوية إلى جانب علوم الشرع والدين حتى ليتحدث الذين أرخوا للحكمة والحكماء ومنهم القفطى صاحب كتاب تاريخ الحكماء وابن جلجل صاحب كتاب طبقات الأطباء والحكماء يتحدثون عن هذه الأبعاد الحضارية والعلمية فى رسالة إدريس فيقولون انه دعا إلى دين الله والقول بالتوحيد وعبادة الخالق وتخليص النفوس من العذاب فى الآخرة بالعمل الصالح فى الدنيا وحض على الزهد فى الدنيا والعمل بالعدل وأمر الناس بصلوات ذكرها لهم على صفات بينها وأمرهم بصيام أيام معروفة من كل شهر وحثهم على الجهاد لأعداء دينهم وأمرهم بزكاة الأموال معونة للضعفاء وغلظ عليهم فى الطهارة من الجنابة وحرم المسكر من كل شىء من المشروبات وجعل لهم أعياد كثيرة فى أوقات معروفة وقربانات منها دخول الشمس رؤوس الأبراج ومنها رؤية الهلال وكلما صارت الكواكب فى بيوتها وشرفها وناظرت كواكب اخرى0
ولقد أقام إدريس ومن معه بمصر يدعو الخلائق الى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وطاعة الله عز وجل ورسم لهم تمدين المدن وجمع له طالبوا العلم بكل مدينة فعرفهم السياسة المدنية وقرر لهم قواعدها وعلمهم العلوم وهو أول من استخرج الحكمة وعلم النجوم فان الله سبحانه وتعالى افهمه أسرار الفلك وتركيبه ونقط اجتماع الكواكب فيه وافهمه عدد السنين والحساب 0
كذلك نجد فيما جاء عن إدريس عليه السلام ما يشهد بان رسالته كانت عالمية لا محلية انطلقت من مصر لتشمل كل المعمور من الأرض فى ذلك الحين فهو كلم الناس يومئذ بالسنتهم المتعددة وعلمهم العلوم فبنت كل جماعة مدنا فى أرضها وأقام للأمم سننا( طرقا) فى كل إقليم سنة تليق بأهله ووعد أهل امته بأنبياء يأتون من بعده وعرفهم صفة النبى فقال يكون بريئا من المذمات والآفات كلها كاملا فى الفضائل الممدوحات لا يقصر عن مسالة يسال عنها وان يكون مستجاب الدعوة وان يكون مذهبه ودعوته المذهب الذي يصلح به العالم وطبقت شريعته المعمور من الأرض وكانت قبلته إلى حقيقة الجنوب على خط نصف النهار اى الى أول بيت وضع للناس فى الأرض0
والى إدريس ترجع كل العلوم التى ظهرت قبل الطوفان وهو أول من خط بالقلم وعلم أسرار الحروف وأول من تكلم فى الجواهر العلوية والحركات النجومية وأول من بنى الهياكل ومجد الله فيها0 وأول من نظر فى علم الطب وألف لأهل زمانه قصائد موزونة فى الأشياء الأرضية والسماوية 0
وحتى يخلد هذه العلوم ويحفظها من عاديات الدهر وآفات النار والطوفان بنى الأهرام والبرابى وصور فيها جميع الصناعات والآلات ورسم فيها صفات العلوم حرسا على تخليدها لمن بعده خيفة أن يذهب رسمها من العالم كل هذا نسبته كتب طبقات الحكماء وقصص الأنبياء لإدريس عليه السلام وذلك قبل كشوف الاهرامات وأثار ومخلفات المصريين القدماء
هكذا طافت بنا كتب التفسير والسير والتاريخ والحديث بين الأروقة المقدسة وحكت لنا عن هذا الرسول العالم الصابر الأواب المتعلم صاحب المكان العلى والقدر العظيم أول من خط بالقلم ونظر فى علم النجوم وخاط الثياب ويعنى معنى اسمه العلم والمدراسة والحكمة
ويشدنا السئوال هل إدريس هو الإله المصرى القديم أوزوريس صاحب الأسطورة ؟
لكن الذي لم يختلف عليه احد أن إدريس عليه السلام عاش فى مصر وأول من ابتكر الكتابة وانه هر ميس فى اليونانية واخنوخ فى السريانية 0








الفصل الثالث

إدريس نبى من مصر



الفصل الثالث _إدريس نبى من مصر
نعود الى نبع الحضارات00 إلى مصر القديمة 00 نحاول الاقتراب من عهودها التليدة نطالع من هذا البعد السحيق أصداء اشهر أسطورة مصرية على مر التاريخ أسطورة إيزيس وأوزوريس علها تفسر لنا علاقة هذا النبى إدريس وذلك الإله المصرى الاسطورى أوزوريس اله النيل والزرع
فأسطورة إيزيس وأوزوريس من أقدم الأساطير فى الديانة المصرية القديمة ويرى بعض العلماء أن وجودها يرجع على الأقل الى الوقت الذى وجد فيه التقويم المصرى اى الى سنة 4241 ق0م بدليل أن الخمسة أيام التي أضيفت إلى السنة فى هذا التقويم هى الأيام التي قالت الأساطير أن نوت آلهة السماء وضعت فيها المعبودات أوزوريس وست وإيزيس ونفتيس وحارويريس 0
بقول الدكتور ثروت عكاشة فى موسوعته القيمة تاريخ الفن المصرى جـ1:
من المؤرخين من يرى ان أوزوريس كان يحكم مصر فى عهد من عهودها الموغلة فى القدم من قصر ملكه فى الدلتا وان غرقه على يد أخيه ست كان يرجع الى ثورة قامت بها مدينة امبوس قرية طوخ إحدى قرى مركز نقادة بمحافظة قنا ألان وكانت مقرا لعبادة ست فى مصر العليا ثم هزم حور ابن أوزوريس عمه ست وأعاد الوحدة بين الشمال والجنوب كما كانت أيام أبيه 0
ورأى الناس فى أوزوريس مفديا وشهيدا فألهوه ونسجوا حوله الأساطير وعزو إليه انه من الملهمين فى عالم الموتى ورأوا فى هزيمة ست انتصار للخير على الشر والأسطورة كما رواها بلوتارخوس تقول:
إن أوزوريس هو اله النيل الذى تقترن به الأرض إيزيس وست هو البحر المالح الذى يصب فية النيل مياهه فيتوارى عن الأنظار ويتفرق اللهم إلا هذا الجزء الذى تحتجزه الأرض فتصبح خصبة0
والكهان يعتبرون أوزوريس المنبع الوحيد والقوة الأزلية التى تولد الخصوبة وتسبب التناسل ويضيف بلوتارخوس ان آلهة السماء نوت خانت زوجها رع مع اله الأرض سب وعلم اله الشمس رع بهذه الخيانة فغضب وصب على نوت لعنته وقضى ألا تتخلص نوت من حملها فى اى شهر من شهور السنة 0
وتوسل نوت للإله توت لإنقاذ حبيبته بالحيلة واستطاع أن يأخذ من القمر الجزء الثانى والسبعين من كل يوم فوفر بذلك خمسة أيام كاملة أضافها الى السنة المصرية القديمة التى كانت تتألف من ثلاثمائة وستون يوما فقط 0
وهذا هو الأصل الاسطورى الذى يفسر أيام النسىء الخمسة التى تضاف كل عام للتقويم القبطى ليساير التقويم الشمسى 0
وهكذا أنقذ توت نوت من لعنة رع وأنجب نوت فى اليوم الأول من أيام النسىء أوزوريس وفى اليوم الثانى حورس الكبير وفى اليوم الثالث ست وفى اليوم الرابع إيزيس وفى اليوم الخامس نفتيس 0
وتزوج أوزوريس من أخته ايزيس وكذلك تزوج ست من أخته نفتيس 0
وترجع الأسطورة فضل تحول المصريين من حياة البداوة الى الاستقرار الزراعى الى أوزوريس الذى علمهم زراعة القمح والشعير والذرة ودربهم على عصر الكروم فأحبه الشعب ورفعه الى مصاف الآلهة مما أثار حقد أخيه ست عليه لبلوغه هذه المكانة فى نفوس الناس وكاد له مع جمع من معاونيه فصنع تابوتا نفيسا على قدر جسمه ثم أقام له حفلا دعا إليه أصدقاؤه المتآمرين معه ثم استدرج أخيه الى هذا الحفل ومد موائد الطعام والشراب وبينما كان الجميع يحتفلون احضر ست التابوت النفيس وأعلن انه سيكون من نصيب من يكون على قدر جسمه 0
وتبارى الحضور فى قياس أجسامهم على التابوت حتى جاء أخيرا الدور على أوزوريس الذى تقدم بعد إلحاح ورقد فى ذلك التابوت وإذا بالمتآمرين يسارعون بإحكام الغطاء وصب الرصاص عليه ثم ألقى به فى النيل 0
وعرفت ايزيس أن شرا مستطيرا قد حاق بزوجها فذهبت مولولة تبحث عنه حتى انتهى بها المطاف الى مدينة بلبوص (جبيل قرب بيروت) على الشاطىء الفينيقى واكتشفت أن التابوت الذى يحمل جسد زوجها قد حملته المياه الى هذه المدينة حيث برزت شجرة سرخس (أثل) رائعة ضمت التابوت بما يحمل فى اطواءه ولقد شهد ملك الإقليم تلك الشجرة الوارفة فراعه حسنها وأمر بقطعها وصنع منها عامودا لقصره دون ان يدور بخلده أن هذه الشجرة تضم تابوت أوزوريس 0
واحتالت ايزيس حتى حصلت على هذا العامود واستخرجت منه التابوت وانطلقت به عائدة الى مصر ووضعت التابوت على ثرى ارض النيل العظيم واحتضنته لتنجب منه ابنها حورس فى مدينة بوتو 0
وعثر ست كما يروى بلوتارخوس وهو فى رحلة صيد ليلية فى ضوء القمر على التابوت وتعرف على جثمان أوزوريس فمزقه أربعة عشر شلوا فرقهم على أقاليم مصر
وعلمت إيزيس بما حل بجثمان زوجها فأخذت تبحث عن الأشلاء متوسلة بزورق من البردى تجوس به خلال المستنقعات وكانت تشيد فبرا تدفن فيه كل شلوة من أشلاء حبيبها أوزوريس حتى يجتمع كل الناس على عبادته فى كل مصر0
وفى معبد دندرة غرب قنا نقش هام يورد أسماء المدن التى دفنت فيها إيزيس هذه الأشلاء باعتبارها ذخائر مقدسة فى الهياكل والمعابد المختلفة
فالقلب فى أتريب والعامود الفقري فى بوصير والعنق فى ليتوبوليس والرأس فى منف 0
وأخذت إيزيس وأختها نفتيس تبكيان أوزوريس حتى أن الإله رع رق لحاليهما وأرسل من السماء الإله أنوبيس كما تقول الأسطورة فضم أشلاء أوزوريس وضمها بعضها لبعض بمعاونة إيزيس ونفتيس وتوت وحورس ثم لفها فى أربطة من الكتان وأقام لها الطقوس والشعائر الجنائزية المألوفة عند المصريين القدماء وقام بدفنه 0
ثم رفرفت إيزيس بجناحيها وبعثت زوجها إلى الحياة وأصبح منذ ذلك اليوم يرقى سفينة فى السماء يراقب أعمال الناس وأصبح ملكا على الموتى فى العالم الأخر ورب الخلود ورئيس محكمة الأرواح الذى يحكم إما بالخلود أو القصاص العادل طبقا للخطايا 0
وظلت إيزيس رمزا للخصب والنماء والوفاء وأصبح حورس ابنها رمزا للخلاص0
وظل هذا الثالوث الاوزيرى الأب والابن والأم ينتقل إلى علوم اللاهوت فى الديانات القديمة حتى الديانات السماوية وسيطرت عقيدة التثليث على الفكر اليونانى والرومانى والبابلى واليهودى والمسيحى 0
ولا تزال عناصرها قتل الأخ أخاه حسدا وضغينة وغضب الآلهة من هذا القتل ووفاء الزوج لزوجها وحب الولد لأبيه وسعيه للأخذ بثأره وعودة أوزوريس لحياة ثانية وخالدة وعدل الآلهة فى حكمهم على ست
إن الأسطورة المصرية مثل كل الأساطير وان بدت فى مظهرها محض خيال ولكن مضمونها يعبر عن رأى وفكر وتجربة0
لقد عاش الإنسان المصرى حضارة زاخرة وحياة هادئة فى عمل متصل فرضته عليه بيئته وعاش على الزراعة وتربية الماشية وظل النيل يفيض عليه بالخصب والنماء كل عام 0
وعاش المصريون عن يمين وشمال نهرهم الخالد العظيم يشربون من عذب ماءه ويطعمون من نبت الأرض حواليه لا يجدون منأى عن الارتباط به وفى فترات الفيض تفرغوا للتفكير والتأمل فوحدت فيهم وتيرة الحياة المتشابهة الفكر ووحدت الوجدان 0
لقد كانت الشمس تطالع هذا الوادى من خلف آكام الصحراء تغمرهم بالدفء شتاءا وتلهبهم بقيظها صيفا وتطالعهم فى المساء سماء صافية تتلألأ فيه النجوم ويزينها القمر فالهوا النيل والشمس والقمر والهواء إلى جانب العديد من الحيوانات ولكنها لم تسموا فى وجدان الإنسان المصرى سمو عقيدة التوحيد التى غمرت فكره ووجدانه كانوا يؤمنون باله الواحد ساكن السماء ولم تكن باقى الآلهة كما يقول بلوتاخروس سوى رموز وصفات لقوة الإله الواحد الذي يراهم ولا يرونه والذين وصفوه بالقدم وقالوا انه لا أول له ولد منه وانه خلق الكون 0
لقد امنوا بالبعث بعد الموت وبحياة أخروية جزاءا وفاقا للحياة الدنيا وامنو بالأجر والثواب والعقاب 0
وخرج اخناتون يتصور هذا اله الواحد رب الكون فى قرص الشمس أتون 0
وفر بعقيدته من معقل كهنة آمون فى طيبة بقوتهم وسيطرتهم وجبروتهم إلى تل العمارنة قريبا من الاشمونين حيث عاش تحوتى وبذر أول بذور الوحدانية فى المكان الذى بزغت فيه أنوار رسالة الإيمان وسطعت منه شموس التوحيد وذكر الله الواحد رب العالمين منذ ما يربو على سبعون ألف سنة فبل الميلاد على يد تحوتى هذا الذى ابتكر الكتابة0
قد تكون أسطورة إيزيس وأوزوريس أصداء لحكايات توارثها وجدان الشعب المصرى من قصة قابيل وهابيل رفضا أسطوريا لاول جريمة على وجه البسيطة يقتل فيها الأخ أخيه حقدا فى دورة الصراع الابدى بين الخير والشر وأخذت تتناقلها الاجيال جيلا بعد جيل ويضفى الخيال الشعبى الخصب حكايات وحكايات فتدور فى دائرة الأساطير وترتبط بالنيل شريان الحياة وبالأرض مصدر الرزق وبالشمس والقمر وبالقيم السائدة من حب وإخلاص ووفاء بكل ما تحمله الأدبيات المصرية من حكمة ورموز خالدة وخير ونماء وتطور 0
وعاش أوزوريس فى وجدان الشعب المصرى ينسبون إليه كل التطورات التى تحدث على سطح الأرض طول العام فإذا جاء الفيضان فهو الماء الجديد الذى يكسب غرينه الأرض خصبا وخضرة ونضارة ونماء 0
وإذا ماجف النبات وفنى فمعنى ذلك انه مات ولكن موته هذا ليس موتا أبديا لأنه إذا ما نبتت البذور فى العام الجديد نبتت من جسد أوزوريس الذى لم يزل على قيد الحياة 0
وكما قال مصرى قديم عاش فى عصر الدولة الحديثة حوالى ألفا وخمسائه قبل الميلاد:
يهب الناس الحياة من أنفاسه وتنموا فوقه الأشجار والنباتات وجميع الثمار 0
ومع ذلك هناك بعد بعيد بين حكاية إيزيس وأوزوريس التى تمثل الصراع بين الخير والشر وقصة ابتكار الكتابة وفى تقديرى أن الذين تصوروا أن الإله المصرى القديم صاحب الأسطورة حارس الدار الآخرة فى طيبة هو إدريس النبى جانبهم الصواب وكذلك من تصوروه حورس الابن 0
ولعلنى ارجج ومعى كثيرون أن إدريس النبى هو ذلك الإله المصرى المبجل تحوتى مخترع الكتابة وأبا العلوم واله الحكمة 0
ففن الكتابة كما اجمع ثقاة المؤرخين قد اخترع فى مصر وتحوتى المصرى هو الذي اخترعه وهو نفس الشخص الذي أطلق عليه ساشوتيان اسم تاؤوت ناسبا إليه ابتكار الحروف الهجائية والرسوم والذي كان يلفظ بطرق مختلفة طبقا لاختلاف الالسنة واللغات وتعدد اللهجات المحلية التى شاع الاسم من خلالها ومع ذلك فمن السهل التعرف عليه فى غالبية التحريفات التى تناولته وهو على الدوام وفى كل الأحوال مخترع الحروف الهجائية سواء كان اسمه تحوت أو تحوتى أو تحويت أو تحات أو تاؤوت أو توت أو ثوث أو سوت أو سوتين أو ديس أو ادرس أو إدريس أو هرمس أو هرميس أو هرمس الهرامسة أو اخنوخ
إن هذا الاسم فى كل هذه اللغات واللهجات يشير الى موهبة وكفاءة مبتكر الكتابة او كما قال أفلاطون فى مؤلفه كارنيلوس الشخص الذى اخترع كتابة الكلمة المنطوقة 0
ويبدوا من ظواهر الأمور أن تحوتى سمى على هذا النحو على يد المصريون حيث كان يكرم كاله فى مصر ذلك انه قام بتحليل الحركات المختلفة والمدودات المتباينة لعضو الكلام اللسان ولأنه ميز هذه المردودات بعضها عن بعض ووضع لكل منها إشارة خاصة وكون من مجموع هذه الإشارات فن الكتابة ولاته أسس هذه الإشارات على أسس ثابتة ويسر استخدامها وحدد لها قواعد ثابتة لقبوه بتحوتى التى تعنى أبا العلوم وترجم الإغريق وغيرهم هذا المعنى الى لغاتهم0
وبعد سواء اتفقتم معى فى أن تحوتى المصرى هو إدريس النبى عليه السلام وهو ذلك المصرى الذي ابتكر الكتابة فى مدينة الاشمونين بمحافظة المنيا بصعيد مصر واول من بذر بذور التوحيد فى التاريخ المصرى قبل اخناتون بآلاف السنين 0
وظل اسمه مبجلا فى متون الحضارة الإنسانية وظل كأحد الرموز الخالدة يحكى التاريخ حكايته على جدران المعابد الشاهقة وفى نقوش المقابر التليدة وعلى صفحات المسلات السابقة وفى سطور البرديات0
ولما وقفنا إمام تاريخ الأنبياء المكتوب وسيرهم وكتب التفسير لم نجد ثمة تعارض مع هذه الرؤية 0
وكما قلنا فى البداية إنها مجرد محاولة لاستقراء تاريخ اعرق حضارة 0
" واذكر فى الكتاب إدريس انه كان صديقا نبيا " صدق الله العظيم






من إصدارات جمعية رواد الثقافة بار منت
رئيس مجلس الإدارة
عبدالمنعم عبدالعظيم
سكرتير التــحرير : النوبى عبدالـراضى


رقم الإيداع بدار الكتب والوثائق القومية9999/2005













كاتب وكتاب
عندما تقرأ للكاتب الباحث عبدالمنعم عبدالعظيم
تشعر انك أمام موسوعة
إنسانية لها عطــاءها
الفكرى المميز ورؤيتها
الواعية تغوص معها فى أعماق الفكرة وتخرج دائما بمحصلة كبيرة من المعلومات
فهو يكتب مقالاته التاريخية وموضوعاته السياسية فيتلهف القراء على قراءتها ويحرصون على اقتنائها كشىء نفيس0
ولعل هذا الكتاب إحدى هذه الإسهامات المتميزة فكرا وموضوعية 0

ليست هناك تعليقات: