الأربعاء، 25 مارس 2009

اسرة مصرية من اربعة الاف عام


كتب: عبد المنعم عبد العظيم
فى عام 1942 عثر كل من عالمى الآثار الأمريكيين ( وينلوك) و( جن) إثناء حفرهما فى (مقبرة مسح ) فى منطقة معبد ملكة مصر العظيمة حتشبسوت الدير البحرى بالبر الغربى بالاقصرعلى ثلاث رسائل كاملة وبقية من رسالة وثلاث ورقات تضم قوائم حسابية
ولم ينتبه اى من علماء الآثار فى ذلك الوقت لهذه الرسائل التى حصلت البعثة الأمريكية عليها ضمن نصيبها من القسمة بعد الانتهاء من الحفائر وهذه البرديات محفوظة ألان بمتحف المتروبوليتان بالولايات المتحدة الأمريكية دعنا نعيش مع هذه الأوراق
......
يأخذ الولد الأكبر ( امرسو ) الرسائل معه أثناء عمله .. يحفظ ما فيها خوفا من بطش أبيه على الرغم من بعد المسافة بينهما .
يحملها معه فى الصباح ويجلس فى حوش مقبرة الوزير( ابى ) وزير الملك ( منتوحتب سمنخ كارع ) حيث يعمل كاهنا لهذه المقبرة بدلا من والده ( حتا نخت) الذى رحل الى العاصمة منف لكى يشرف على الضياع الموقوفة لصالح مقبرة الوزير هناك .
قبل السفر اجتمع ببقية أفراد أسرته ينصحهم ويوزع الأعمال بينهم لان إقامته بالعاصمة قد تطول سنة أو سنتين وربما أكثر
......
فى ابريل 2005 كان الجو دافئ فى بلدة ( نيسيت ) التى تبعد عن الأقصر جنوبا بمسافة ثلاثة عشر كيلومتر (قرية المريس حاليا)
جلس الأب (حتا نخت) وعلى حجره بردية سجل فى أعلاها التاريخ السنة الخامسة من حكم (منتو حتب الثالث ) الشهر الثانى من فصل الصيف اليوم السابع
جلست بجواره أمه العجوز (ايبى) التى تتابع كل ما يدور حولها دون أن تعلق وأمام الأب يقف ( امرسو) وهو ينصت فى اهتمام بالغ ويمسك فى يده ورقة يسجل عليها ما يقول الأب خشية أن تفوته أو ينسى أوامر أبيه
أما ولديه( سيبنون ) و( ساحتحور) فجلسا على بعد وكل منهما يقف أمام زوجته
(سيبنون ) يتميز بالبدانة عن أخيه ( ساحتحور) لذلك سماه والده ابن المدينة
وهناك طفلين لم يتعدى عمريهما خمس او ست سنوات ( سنفرو) الحليوة ذلك الولد الصغير المشاكس والأخر ( اسنو )
امسك (حتا نخت) بالقلم الأحمر وسجل مقادير الخبز لكل فرد من إفراد أسرته لثلاثة مواسم وأعطى نصائح لـ (امرسو) لمتابعة الأرض الزراعية وحرثها جيدا والاهتمام بريها وتوزيع الحبوب وتهدئة الصراعات الشخصية بالإضافة للذهاب لمقبرة المرحوم (ابى) لتقديم القرابين وتلاوة الصلوات الدينبة على روحه
ووجه كلامه الى الابن الذى يلي ( امرسو) وهو ( سينون):
اعتنى جيدا بالمواشى فى كل يوم تأخذ الثيران والخراف والماعز والأبقار وترعاها وأنت تعرف أن مجموعهم 35 رأسا
وأكمل كلامه لابنه (امرسو) :
لو اشتكى لى (سينون ) من ضياع اى ثور فأنت المسئول امامى وسوف اخصم ثمنه من مقادير طعامك
.....
سافر الأب الى منف بعد ثمانية أيام من اجتماعه بالأسرة اى فى 9ابريل من نفس العام وراح يتابع شئون عزبتين تصرفان على كهانة مقبرة الوزير إحداهما فى جنوب منف والأخرى فى وسط الدلتا
أثناء الرحلة الأولى للوالد لم يكن هناك استقرار أو رسائل ربما أدار الأب شئون عائلته خلال ثلاث سنوات بما سجله فى البردية ورغم أن الأمور غامضة فى هذه المرحلة لكن من الممكن تخيلها فالابن الأكبر يتابع أمور الأسرة يرعى العجوز (ايبى) ويبدو أن أمه ماتت لأنها لم تذكر فى توزيع المهام أو الرسائل وكان (امرسو) يصحب أخويه الكبيرين (سينون) و (ساحتحور) الى الأرض لحرثها ويتركهم بعد أن يعطى لهم الأوامر حيث يذهب الى مقبرة الوزير ليضع على مائدة القربان بعض الأطعمة والمشروبات ويقرا على روح الوزير تلاوات من نصوص الأهرام والتوابيت التى أصبحت مشاعا للناس بعد أن كانت وقفا على الملوك
.....
فى أثناء غيبة الأب كان يزور العائلة ( رع نفرو) وهو رجل له خبرات فى شئون الزراعة والفلاحة ووصى ( حتا نخن ) ولده الأكبر باستشارته حين الحرث أو الزرع أو الحصاد وكان يصاحب (امرسو) حين تفقده ممتلكات والده التى توزعت فى مزارع برحاعا و يوسبتو و سبات ماعت وكل هذه المزارع كانت تقع جنوب طيبة فىالإقليم الرابع من أقاليم الصعيد ( ارمنت حاليا)
وفى السنة الأخيرة قبل عودة الأب لزيارة عائلته فى (تيسيت) كان الولدان الصغيران (سنفرو) و(أنبو) قد بلغا أشدهما وأمر (امرسو) أخيه الأصغر (سنفرو) ان يذهب الى الحقل ليساعد إخوته فى فلاحة الأرض وعلى الرغم من ضيفه فانه ذهب ونفذ أمر أخيه وفكر فى ان يرسل رسالة الى أبيه فى منف يشكو أخاه الأكبر من تعنته حتى الطعام لم يعطه كفايته وذهب الى (نخت) ملاحظ الأملاك لكى يكتب له رسالة لوالده.
....
عاد الأب فى زيارة سريعة فى منتصف عام 2002ق .م لكى يرى أمه وعائلته ومحصول العام وكانت زيارته السريعة بعد الحصاد مباشرة والمحصول الذى تم جمعه خمسة وخمسين مكيال شعير موزع بنفس نصيب الرحلة الأولى ولم يضع الخبز لأنه حتى رحيله لم يطحن القمح
ولا الشعير فكلف ابنه بذلك
وزار زراعاته المتناثرة فى الإقليم الرابع يرافقه (حاو الصغير) جاره وصديقه( رع نفر) و (نخت) ملاحظ أملاكه
ولم يبد رضائه عن أحوال المزارع ولام ابنه على عدم اهتمامه ووبخه بعنف شديد
وبعد ان اطمأن على أحوال العائلة رحل الى منف فى أواخر شهر مايو عام 2002 ق.م
.....
فى أول شهر أغسطس 2002 ق.م اى بعد ثلاثة أشهر من رحيله أرسل الى ابنه (امرسو) الرسالة الأولى وكانت بعد عودته بقليل من مزرعة وسط الدلتا:
بخصوص زراعة أرضنا فأنت الذى تزرعها ولن أحاسب أحدا غيرك فهى فى مسئوليتك فاجتهد فى الزراعة واحترس وحافظ على كل ممتلكاتى فأنت امامى مسئول عنها واحتاج (حتا نخت ) وهو فى منف الى القمح والشعير فأوصى ابنه بان يأخذ من مخازن البيت ويرسله اليه وقال له :
أرسل الى بعض القمح وما يمكنك إرساله من الشعير وكل ما يزيد عن حاجتكم حتى حلول الصيف و كان الصيف سيحل فى 2/9 لذلك أرسل الى ابنه قبل حلول الفيضان ينصحه بان يهتم بالأرض وزراعتها والاستعداد لذلك قبل ان تغرق فيقول :
لو إن ارضي غرفت وكان إخوتك ( سنفرو) و(اسنو) يزرعان الأرض معك فالويل لك ثم الويل لأخيك (سا حتحور)
ثم نصح ابنه بان يشترى أو يستأجر أراضى أخرى لكى يزرعها ولان (امرسو) صغير السن فعليه إن يأخذ بنصائح الجار الوفى او مستشار الأسرة الأمين والطريف انه اظهر فهلوة المصرى القديم عندما يأمر ابنه يان يعطى منسوجات كتانية قيمة أيجار الأرض ( مقايضة) وعلى (امرسو) أن يقنع ملاك الأرض بان هذه المنسوجات ممتازة فيقول فى باقى رسالته الأولى :
دع أمين الأسرة (حتى نخت) وأخيك ( سينون) يذهبان الى (بوحاعا) لشراء فطعتى ارض من مالكيها ويجب ان تكون قيمة اجر الارضين من المنسوجات المحلية وقل لهما إنها ممتازة وحذارى ان تتورط فى ارض لا تعرفها واستشر فى ذلك جارى (حاو الصغير) أو (رع نفر) فهما يستطيعان أن يرشداك الى الأرض الجيدة وحذر الوالد ابنه (امرسو) بعدم مخالفة أوامره وألا يعطى لامين الأسرة (حتى نخت) اية زيادة فى نصيبه لأنه قام بهذه المهمة ويبدو أن (حتى نخت) كان يقيم مع العائلة فى نفس الدار وكان له نصيب شهرى من الشعير مقداره إردب له ولأسرته
.....
الغريب ان عائلة (حتا نخت) لم تكن تتضمن أولاده وأمه فقط فقد كان يعيش فى الدار ضيوف كثيرين ففى البيت كانت تعيش (ايتن حاب) المحظية الجميلة التى كان يعشقها الأب وربما تزوجها وتعرضت لمضايفات الأولاد الصغار (سنفرو) و (اسنو) وأخيهما (ساحتحور) كما غارت منها الخادمة (سنن) التى كانت ترى سيدها (حتا نخب) يداعب (ايتن حاب) كل ذلك تحت سمع ويصر( امرسو) فتعرض للوم شديد من أبيه بل هدده بالطرد من المنزل إذا لم يوقف هذه المهزلة فقال لابنه : (امرسو) اطرد الخادمة سنن من دارى حالا وافرض على (ساحتحور) ان يزورك يوميا ولو بقيت فى البيت يوما واحدا وأساءت لمحظيتى فانت المسئول كان الرب فى عون جاريتى وهى فى وسط خمسة أولاد كيف أعيش معكم فى دار واحدة وانتم لم تحترموا محظيتى من اجل خاطرى
وكانت (ايتن حاب) تعيسة الحظ فبالإضافة الى غيرة الخادمة ومشاكسات الأولاد الصغار وعدم اهتمام (أمرسو) كان (اب) الذى يعمل بالأجرة فى منزل (حتا نخت) يداعب (ايتن حاب) ويغازلها حتى أنها أرسلت تشكو ذلك الى سيدها او زوجها (حتا نخت ) فى منف فأرسل الى ولده يطلب مجيئها الى منف:
ارسل الى (ايتن حاب) ومادام هذا الرجل الذى يدعى (اب) حيا يرزق فهو عدوى وأنا عدوه لأنه أساء الى محظيتى ويجب ان تعامل محظية الإنسان معاملة حسنة ولم ينسى( حتا نخب) امه فى رسائله فقال لابنه بلغ سلامى الى امى ألف مرة بل مليون مرة
ومن ضمن افراد عائلته احدى قريباته واسمها (حتبت) ولها ابن صغبر يدعى (ماى) وسيدة أرملة عطف عليها (حتا نخت) وضمها الى افراد الاسرة وكان يخصص لها ولأولادها أنصبة من الشعير والقمح وكان للسيدة الأرملة ابنة مدللة عند (حتا نخت) وأرسل لابنه بلغ سلامى لـ (حتبت) وكل أفراد الأسرة وخاصة ( نفرت) ثم أوصى(امرسو ) على الولدين معا قائلا :
اهتم ب (انبو) و(سنفرو) وعش معهما ومت معهما هل تفهمنى
.....
تلك الأوراق التى تحكى جانب من حياة أسرة مصرية من غرب النيل بالأقصر من قرية المريس والمخطط لها ان تتحول الى مرسى عالمى للبواخر النيلية ضمن المشروع الحضارى لتطوير مدينة الأقصر عمرها اربعة ألاف سنة ونيف
أوراق تحكى كيف كان يعيش اجدادى فى البيت الكبير الذى يجمع الاب والأبناء والجدة والأقارب والعمال فى ترابط اسري عظيم كيف كانت حياتهم مخططة منظمة
ولقد أثارت هذه الأسرة أشجان صديقى الاثرى الدكتور احمد صالح احد خيرة خبراءنا الأثريين والذى حول متحف التحنيط الأقصر عندما كان مديرا له الى جامعة مفتوحة مع رفيق دربه الاثرى محمد يحى عويضة وملتقى لأحباب مصر
كان يحكى لى عن (حتا نخت) بلدياتى وكيف كان يخطط لحياته فى غربته فى إعجاب شديد وها انأ انقل للقارىء العزيز قصته
عبد المنعم عبد العظيم
الأقصـــر..مصــر
Monemazhm2007@yahoo.com

الاثنين، 16 مارس 2009

اسيا امراة فرعون

أسيا امرأة فرعون
سيدة من مصر فى الجنة
كتب : عبد المنعم عبد العظيم
كانت تتنزه كعادتها كل صباح فى حديقة قصرها اليانعة تبتسم لنسيم الصبح العليل وتستنشق عبير زهور الفل البيضاء المتفتحة وتتطلع الى الشمس عند الشروق بلونها الذهبى وإشعاعها الفتان على صفحة النيل الخالد .
كانت جواريها يملئن الجرار من ماء النيل عندما عثروا على صندوق جميل من الخشب وأوراق البردى فحملنه الى سيدتهن التى أمرت بفتحه فإذا فيه غلام جميل الصورة فهتفت يابشراى هذا موسى وكلمة موسى تعنى ولد الماء فى اللغة المصرية القديمة
ويجرى على مآقيها دمع غزير لا تدرى لماذا ملك هذا الغلام شغاف قلبها وحرك كوامن مشاعرها وفجر فيها غريزة الأمومة التى حرمت منها ونسيت موعد إفطارها مع فرعون الذى طال انتظاره فلما تأخرت خرج غاضبا يبحث عنها فوجدها تحمل الصندوق ومازالت الدموع تسيل غزيرة وحارة وهى تستحلف فرعون ألا يقتله
" وقالت امرأة فرعون قرة عين لى ولك ولا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا "
واستجاب فرعون لتوسلاتها عسى أن يبدد هذا الولد وحشة حرمانها فابتهجت كما لم تبتهج من قبل وتربى موسى فى بيت فرعون الجبار وكانت له أسيا "الاسم العربى لايزيس" أما حنونا أحسنت تربيته وتنشئته حتى صار احد كهان مصر
إنها اسيا بنت مزاجم هذه المراة التى قال عنها الصادق المصدوق محمد صلى الله عليه وسلم "كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا ثلاث أسيا امرأة فرعون ومريم ابنة عمران وخديجة بنت خويلد وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام
قيل إنها من بنى إسرائيل وادعوا أنها عمة موسى عليه السلام وقيل انها من العماليق وهذه اقوال مرسلة وجزء من تهويد التاريخ حتى لا يصبح لمصر فضل على بنى إسرائيل والمؤكد أنها نبت الحضارة المصرية العريقة وابنة عم فرعون يجرى فى عروقها الدم الملكى المصرى
هذه المراة التى قدر لها ان تنقذ موسى من القتل رضيعا دون كل أطفال بنى إسرائيل فى عصر فرعون وان تصدقه رسولا وتؤمن بالله الواحد وهى من هى فى بلاط فرعون الملك المؤله. كانت تعيش في أعظم القصور وأفخمها إذ كان قصرها مليئاً بالجواري والعبيد والخدم كانت تعيش حياة ملكية مترفة منعمة،
فقد كانت زوجة للفرعون الذي طغى واستكبر في زمانه وادعى الألوهية وأمر عبيده بأن يعبدوه ويقدسوه هو و لا أحد سواه وبالطبع كان لزوجه جزء من هذه القداسة، ورغم كل هذا امنت برب موسى عليه السلام في البداية أخفت ذلك خشية فرعون و ما لبثت حتى أشهرت إسلامها وإتباعها لدين موسى- عليه السلام-، ودافعت بجراة عن ماشطة ابنة فرعون التى عذبها فرعون اشد العذاب فجن جنون الفرعون لسماعه هذا الأمر المروع بالنسبة له، وحاول عبثاً ردها عن إسلامها وأن تعود كما كانت ملكة وزوجة لفرعون الإله ، تارة بمحاولة إقناعها بعدم مصداقية ما يدعو له موسى- عليه السلام- وتارة يرهبها بما قد يحل بها من عذاب جراء اتباعها لموسى- عليه السلام- ولكنها كانت ثابتة على الحق ولم يزحزحها فرعون في دينها وإيمانها قيد أنملةسأل فرعون الناس عن رأيهم في مولاتهم آسية بنت مزاحم فأثنوا عليها كثيراً وقالوا أن لا مثيل لها في هذا العالم الواسع،
وما أن أخبرهم بأنها اتبعت دين موسى- عليه السلام- حتى طلبوا منه بأن يقتلها فما كان من الفرعون إلا أن امر بربط يديها ورجليها بأربعة أوتاد وألقاها في الشمس، حيث الحر وأشعة الشمس الحارقة وامر ان يضعوا صخرة كبيرة على ظهرها .
وصارت الملكة التي كانت تعيش في أجمل القصور بين الخدم والحشم مربوطة بالأوتاد تحت أشعة الشمس الكاوية ، ومع ذلك كانت تبتسم وصبرت وتحملت العذاب طمعاً بلقاء الله -عز وجل- و الجنة، فقد كان يقينها القوي بأن الله لا يضيع اجر الصابرين.
وقبل أن تزهق روحها الطاهرة وإحساسها بدنو أجلها دعت المولى عز وجل بأن يتقبلها في فسيح جناته وأن يبني لها بيتاً في الجنة.
قال تعالى:
" وضرب الله مثلا للذين ءامنوا امرأت فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين" التحريم ""(11( كان لآسية ما تمنت فقد بني لها سبحانه وتعالى البيت الذى تمنته عنده فى جنات النعيم واستحقت أن يضعها الرسول- صلى الله عليه وسلم- مع النساء اللاتي كملن،
. (وروي عن ابن عباس قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطوط أربع في الأرض وقال أتدرون ما هذا؟ قلنا الله ورسوله أعلم فقال- صلى الله عليه وسلم- أفضل نساء الجنة أربع- خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون) كما روي أنها ومريم بنت عمران ستكونان من أزواج الرسول- صلى الله عليه وسلم- في الجنة
عبد المنعـم عبد العظـيم
الأقصــر .. مـصــر

الثلاثاء، 10 مارس 2009

ختان الاناث

ختان الإناث في مصر يبدأ في الانحسار

الختان عادة وليس عبادة
ختان الإناث في مصر يبدأ في الانحسار
الريفيات يتوهمن أن البظر إذا لم يُختتن يصبح في حجم العضو الذكري، وأقسى أنواع الختان 'الطهارة السودانية'
.كتب ـ عبدالمنعم عبدالعظيم
صعيد مصر تلك المنطقة الحبلى بالتراث العريق والحياة الصلبة الجافة جفاف مناخها والتي ضاعف من حدتها عقد طويل من الإهمال والتهميش والحرمان. كان منفى المغضوب عليهم، وعقاب المارقين على نظم الحكم وملجأ من يطلب الأمان.ثم بدأت التنمية مع بزوغ ثورة يوليو/تموز، وكان بناء السد العالي في أسوان مشروعها الحضاري العظيم. واتجهت الأنظار إلى الجنوب حيث رؤى المستقبل والطريق إلى التنمية، وبدأت الخريطة تستعيد خطوطها أيام كان الصعيد مهد الحضارة والمدنية. وفيه عواصم الإمبراطورية المصرية العظيمة التي سادت العالم.وعرف الصعيد الجامعات الإقليمية؛ جامعة المنيا وجامعة أسيوط وجامعة جنوب الوادي، وخرجت المرآة الصعيدية لتمارس دورها في التنمية وتستعيد مجدها التليد، فأول ملكة على مصر وأول ملكات العالم كانت حتشبسوت الصعيدية التي مارست الحكم من طيبة العاصمة.وأول من خلعت الحجاب ووقفت في وجه التقاليد العاتية هدى شعراوي صعيدية من المنيا، وأول من استشهد من النساء في ثورة 1919 صعيدية من قنا. هنا كانت البادرة، ومن هنا كانت البداية.وحين ندلف إلى قضية الختان في الصعيد، ندلف من باب التراث العريق والتقاليد الراسخة لا من باب منطقة أهملت فتخلفت وتجمدت عند هذا التخلف.فالصعيد يحمل تراث حضارة ممتدة لأكثر من خمسة آلاف سنة عاشت في وجدانه، وأثرت حركته وضبطت إيقاعه برغم ما يبدو في الشخصية الصعيدية من جمود.لهذا فإن قضية مناهضة الختان حينما تصدم في الصعيد بالتقاليد الجامدة وتراث طويل من الممارسة قبيل الديانات السماوية، فإن ذوبان الجليد لتفهم القضية يحتاج إلى وقت وجهد.وبرغم ما يشاع أن الختان عادة مصرية قديمة، لكن جذورها في الواقع لم تنبت في مصر، فهو عادة أفريقية دخلت إلى مصر مع غزو الأحباش لها في عهد الأسرة الخامسة والعشرين. ومما يزيد هذا الفرض تأكيدا أن الختان أكثر انتشارا في أفريقيا، وأن الأغلبية من 130 مليون سيدة وفتاة مارسن الختان في العالم في أفريقيا، ومازالت ثمانية وعشرون دولة أفريقية تمارس الختان وتعتبره من طقوسها المقدسة. ومن المؤكد تاريخيا أن المصريين جميعا مارسوا ختان الإناث من قبل أن تدين مصر بالديانات السماوية المسيحية والإسلام، فقد ورد في بردية ترجع إلى العصر اليوناني (بردية رقم 24 محفوظة بالمتحف البريطاني) ويرجع تاريخها إلى عام 163 قبل الميلاد، وتضمنت حديثا لسيدة تريد أن تجري الختان لابنتها لأنها قد بلغت السن المناسبة للختان استعدادا للزواج، وبالتالي فإن ممارسة الختان في الصعيد عادة قديمة متوارثة ومتوترة وهى جزء من العرف والثقافة السائدة.بل أنه في جنوب الصعيد (النوبة) يمارس أقسى أنواع الختان (الطهارة السودانية) وفيها يتم قطع البظرين والشفرين الكبيرين والصغيرين جزئيا أو كليا، وخياطة ما تبقى من الشفرين الكبيرين على الجانبين مع ترك فتحة صغبرة لخروج البول ودم الحيض ويسمونها في السودان الطهارة الفرعونية. والغالب أن الختان في الصعيد يتم بإزالة غلفة البظر وجزء من البظر أو كله.وبالرغم مما في هذه العملية من مضاعفات مثل النزيف والألم والصدمة العصبية والتلوث والعدوى والالتهابات ولا تخلو من إصابة للأعضاء المجاورة واحتباس البول والاحتقانات زيادة على ما في العملية نفسها من ألام نفسية، وبالرغم مما في الختان من تشويه للأجزاء التناسلية للأنثى، مازال الجنوبيون يتمسكون بهذه العادة رغم أن عادات كثيرة متوارثة أخذت طريقها للاندثار مثل الدخلة البلدي وزواج الأقارب والوشم والزواج المبكر وكثرة النسل والثأر وعدم تعليم الفتاة.يقولون إن جو الصعيد الحار يساعد على البلوغ المبكر للفتاة، ويسبب إثارة غرائزها الجنسية، وكلما كانت الفتاة أكثر سمرة كانت أكثر غريزة ولابد من كبح جماحها بالختان.ويعتقدون أيضا أن الختان يساعد الفتاة على وصول مرحلة البلوغ مبكرة ويزيد من خصوبتها ونضارتها ويسهل عليها عملية الولادة.وهناك قناعة كاملة أن الختان من تعاليم الديانات المسيحية والإسلامية بالرغم من أن الكنيسة المصرية شجبت هذه العادة وتصدى العديد من ثقاة المفكرين الإسلاميين بتضعيف الأحاديث التي تناولت الختان. وأكدوا أن القران الكريم قد خلا من أي نص أو إشارة من قريب أو بعيد تدعو إلى الختان، وأنه ليس هناك حكم شرعي ولا قياس يدعو إلى الختان.وفى حين اعتبر الإمام الشافعي أن الختان واجب على الرجال والنساء، رأى الإمام أحمد ابن حنبل أنه واجب على الرجال، وليس بواجب على النساء، وأن أبي حنيفة النعمان، ومالك بن أنس اتفقا على أن الختان للرجال سنة وللنساء مكرمة.وقد رفض ختان الإناث عديد من العلماء، مثل الشيخ رشيد رضا، والشيخ محمد حسنين مخلوف، والشيخ سيد سابق، والإمام محمود شلتوت، والدكتور محمد سيد طنطاوي، والدكتور مصطفى الشكعة، والسوري محمد بن لطفي الصناع. ومن قوص خرج علينا الأنبا اثناسيوس أسقف قوص أنه لا رخصة للنساء في الختان لا قبل العماد ولا بعده لأن الديانة المسيحية ترفض تلك العادة رفضا كاملا.ويؤكد المسح السكاني القومي أن نسبة الختان في الصعيد بين النساء في الفترة من 1995/2003 بلغت 7و97% وان نسبة 75% يؤيدون استمرار الختان، وغالبية المؤيدين من النساء اعتقادا أن هذه العملية تحمي البنات من الانحراف. ويقال إن المرأة غير المختنة ترهق زوجها وتكون أكثر طلبا للمعاشرة الجنسية، أما المرأة المختنة فتكون أهدأ ولا تسرف في طلب المعاشرة، والمرأة غير المختنة لا تستطيع الصبر على الجنس في حالة غياب زوجها فتلجأ للخيانة.ويظن البعض أن هذه الأجزاء إذا لم تزل تسبب روائح كريهة، وأن الختان نوع من النظافة. ويتوهم الريفيات أن البظر إذا لم يختتن يكبر إلى أن يصبح في حجم العضو الذكري، ويسب احتكاكه بالملابس الإثارة الجنسية، وأن الدعوة لمناهضة الختان دعوى أوروبية لتشيع الفاحشة في بلاد المسلمين ولهذا يمولونها.والصورة تزداد قتامة إذا علمنا أن 80% من عمليات الختان في الصعيد تتم على يد (داية) حتى النسبة الضئيلة التي تتم على يد طبيب لم تسلم من أخطاء التلوث والنزيف. وفي جريدة الأهرام في 16/10/1996 أن طفلتين توفيتا عقب إجراء عملية الختان في قرية الضبعية، وكانت أيامها تابعة لمركز ارمنت، وأثبت الطب الشرعي أن الوفاة تمت نتيجة نزيف تسبب في هبوط للدورة الدموية، وأحيل الطبيب للنيابة فالقضاء.والطبيب، أي طبيب، معدوم الخبرة، فلا توجد في جميع كليات الطب في العالم، ومصر أيضا، أو الدراسات العليا والكتب والمراجع وصف لهذه العملية ولا تمارس عمليا في برامج الدراسة.والدعوة إلى مناهضة الختان ليست جديدة. في 1928 أعلن الجراح المصري العالمي د. علي باشا إبراهيم في مؤتمر عقد بالقاهرة أنه لم يتعلم ختان الإناث، ولم يعلمه لطلابه وينصح بعدم إجرائه.وفي الثلاثينيات كتب المفكر سلامة موسى مقالا تناول فيه ختان الإناث كمشكلة اجتماعية في كتابه "مقالات ممنوعة".وفي عام 1952 نشرت مجلة "الدكتور" القاهرية ملحقا عن ختان الإناث.وفي عام 1958 قادت الصحفية أمينة السعيد حملة جريئة عن مضار ختان الإناث.وفي عام 1959 أصدر وزير الصحة القرار رقم 74/59 بحظر إجراء عمليات الختان في وحدات ومستشفيات وزارة الصحة.وفي عام 1966 كتب الدكتور صموئيل حبيب رئيس الطائفة الإنجيلية مقالا عن أضرار الختان.وفي عام 1979 (عام الطفل العالمي) قدمت ماري سعد أول دراسة ميدانية عن ختان الإناث في مصر.في أكتوبر/تشرين الأول 1979 نظمت جمعية تنظيم الأسرة في القاهرة برئاسة عزيزة حسين حملة ضد ختان الإناث واستمرت في الحملات.في عام 1992 تم تشكيل اللجنة القومية لمناهضة ختان الإناث. في عام 1994 لعب مؤتمر القاهرة الدولي للسكان دورا فعالا فس تكوين منتديات بين الجمعيات الأهلية، بعد عرض فيلم صورته القناة الإخبارية سي إن إن عن ختان طفلة مصرية آثار سخط المصريين، وشوه صورة مصر الحضارية. وقتها أصدر الدكتور محمد سيد طنطاوي فتواه أن الختان عادة وليس عبادة.وفس أكتوبر/تشرين الأول 1994 تكونت قوة العمل المناهضة لختان الإناث التي ترفض مطلقا ممارسة عادة الختان. وهي حركة اجتماعية نشطت نشاطا ملحوظا حتى نجحت في استصدار قرار من وزير الصحة يمنع الأطباء من ممارسة الختان، أيدته المحكمة الإدارية العليا. وحاليا يتبنى المجلس القومي للطفولة مشروع مناهضة ختان الإناث في 60 قرية في صعيد مصر في بني سويف، والمنيا، وسوهاج، وقنا، وأسوان، من خلال 12 جمعية محورية بمعدل جمعيتين بكل محافظة، تعمل كل جمعية في عشر قرىً في المرحلة الأولى.ونستطيع أن نؤكد أن المشروع بدا يكسر الجليد ويقتحم المشكلة في الصعيد، رغم المصاعب التي تعترض حركتهم. ومن النماذج الإيجابية نموذج قرية جعفر بمركز الفشن ببني سويف حيث تعهدت القيادات الطبيعية بالقرية عدم إجراء هذه العادة وتفعيل المداخلات الخاصة بمنع هذه الممارسة، وتبعتها قرية بنبان بمحافظة أسوان التي أصدر شعبها وثيقة أخرى.لقد نجحت الحملة في تخفيض نسبة ممارسة ختان الإناث في الصعيد إلى أقل من95%.ولا يفوتنا أن نشيد بدور السيدة سوزان مبارك سيدة مصر الأولى في دعم المشروع ورعايته.ولا يزال الختان في الصعيد قضية، ولكنها رغم التقاليد الصارمة والمجتمع العنيد بدأت في الانحسار وبدأ الجليد في الذوبان.
عبدالمنعم عبدالعظيم محمد

الاثنين، 2 مارس 2009

عيد قنا

بمناسبة عيد محافظة قنا القومى
3 مارس الطريق إلى نجع البارود
أوراق قديمة من ملف النضال الشعبي
كتب/عبدالمنعم عبدالعظيم
1
في تاريخ الأمم والشعوب أيام خالدة لا تمحوها الأيام، وتظل الأدوار الكبيرة على مسرح التاريخ شاهدةً على خلود البطل وعظمة البطولة. تعالوا معي نقلب هذا السجل العظيم، نغوص في أعماق هذا السفر الخالد للإنسان في بلدي نعود مئتان ونيف عاماً إلى الوراء لنشهد ملحمة النضال الخالدة التي سجلها أبناء محافظة قنا في نجع البارود.
2
أبحث عن مدخل يقودني إلى نجع البارود استلهم روح البطولة في المكان يشدني الزمان عبر رحلة طويلة من خلال شواهد الأجداد، من هنا كانت البداية ما زال الحجر يحكي في نقوشه الخالدة للدنيا هذه الإرهاصات على جدران المعابد التليدة والمسلات السامقة، إن البطولة في بلدي عميقة الجذور ممتدة إلى آلاف السنين.
3
نقفز قفزاً عبر حدود الزمان إلى المكان فهذه البقعة من أرض مصر المحروسة لم تنكس رايات البطولة والعطاء عبر تاريخها الطويل والممتد ولم تستكن لغاصب.
4
كان الطريق إلى نجع البارود حلم القائد الفرنسي ديزيه وحملة نابليون بونابرت للقضاء على آخر فلول مقاومة المماليك للحملة. كانت خطته أن يقضي على مراد بك ومماليكه الذين فروا إلى الصعيد لتتفرغ الحملة بعدها لتحقيق حلم فرنسا ونابليون في السيطرة على طريق الهند ورفع رايات الإمبراطورية الفرنسية في مواجهة عدوها التقليدي بريطانيا العظمى. كانت تقديراته أنه لن يلفي مقاومة من المصريين لميلهم إلى الهدوء وكراهيتهم للمماليك. كان يتصور أن حملته على الصعيد نزهة على ضفاف النيل فلم تبق هزيمة المماليك في معركة الأهرام لهم قوة تذكر. وعلى الدرب الصاعد في الطريق إلى الصعيد كانت المفاجاة التي أذهلت ديزيه وقواته فقد كانت رحلتهم إلى الصعيد رحلة إلى الجحيم. 5
نقلب في مذكرات أحد ضباط الحملة الفرنسية يقول: "إن المقاومة التي لقيها الجنود الفرنسيين في الوجه البحري في الغالب ذات صبغة محلية لكن فرقة ديزيه هي التي اضطرت أن تواجه حركات حربية حقيقية". ويقول ضابط آخر: "كنا هدفاً لأخطار كثيرة كلما أوغلنا في بلاد الصعيد التي حمل أهلها جميعاً السلاح في وجهنا". نتابع يوميات الحملة في مذكرات القادة الفرنسيين في تاريخ الجبرتي في كتب الرافعي أتلمس نضال أبناء بلدي في محافظة قنا بدءاً من معركة سمهود "إحدى قرى مركز أبو تشت" في 22 يناير 1799 أقف على نتائج المعركة التي انتصر فيها ديزيه على قوات مراد بك وأنهى فيها آخر دور للمماليك في مقاومة الحملة ليبدأ الدور الحقيقي للمقاومة المصرية الخالصة دون أن تختلط فيها الأدوار. لم يكن من الصعوبة على الجنرال ديزيه بعد انتصاره في سمهود أن يضع لمسات النهاية لعصر المماليك فها هو يتعقب فلول قواتهم في فرشوط ثم هو ثم الوقف في دندرة فدنفيق فطيبة فأرمنت فإسنا التي ترك فيها ديزيه كتيبة من جنوده وواصل سيرة إلى إدفو فأسوان حيث لم يلق من المماليك مقاومة تذكر واكتفوا بالمناوشات الخاطفة على مؤخرة الجيش والفرار في المواقع التي انتهت بغلبة القوات الفرنسية، هنا تنفس ديزيه الصعداء وظن أنه اقترب من تحقيق حلم الإمبراطورية لنابليون، لكن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن كما يقولون.
6
لقد خلا مسرح الأحداث إلا من الأبطال الحقيقيين وذاب الكومبارس من قوات المماليك في أودية النوبة ودروب الصحراء وخلف مقاعد المتفرجين ليشهد التاريخ الأدوار العظيمة والخالدة لأبناء محافظة قنا أحفاد الفراعنة العظماء في معارك الصمود والتحدي. هل كانت قيادة المقاومة تبيت النية على سحق الحملة في طريق العودة بعد أن ينهكها السير أم كانت ترسم على خريطة الأحداث دورها المحدد بعيداً عن مزايدات المماليك حتى لا يكون لغير أبناء مصر فضل في البطولة؟
7
ما أن انتهى دور المماليك حتى شهدت حملة ديزيه على الصعيد ما لم تشهده طوال رحلتها من مقاومة معركة قنا في 12 فبراير 1799 معركة أبو مناع في 17 فبراير معركة إسنا في 25 فبراير. تلك المعارك التي أنهكت قوات الجنرال وأحرجت موقفه وجعلته يستنجد بنابليون طالباً المدد والعون، ولما أصابه اليأس غادر إسنا إلى قوص في طريقه إلى أسيوط حيث قواته طلباً للأمان.
8
ملحمة البارود: سبق الجنرال ديزيه عند سفره إلى قوص أسطوله الذي كان يسير ببطء في النيل ليلحق بالجيش في أسيوط كان الأسطول مكوناً من اثنتى عشرة سفينة تقل ذخائر الجيش ومؤنته تتقدمها السفينة الحربية إيتاليا. وعند قرية صغيرة ككل قرى مصر تتلاصق بيوتها في ذعر لا تشعر عندها إلا بالأمان تكسوها الطبيعة برداء أخضر جميل وتكسبها شمس مصر الساطعة الدفء والحنان رغم رائحة اللهيب في اسمها "البارود" لم يكن فيها سوى الدفء والصمت، وفجأة تتأجج هذه القرية الآمنة وتتفجر في رجالها حمية المقاومة وتشتعل في صدورهم نيران الغضب. رجال ربما لا تحفظ ذاكرة التاريخ اسماً من أسمائهم هاجموا أسطول فرنسا المدجج بالسلاح والعتاد، هاجموه بأسلحتهم التقليدية العتيقة، الشوم والنيابيت ومشاعل النار. وبرغم الهجوم الناري الذي شنته عليهم سفينة القيادة إيتاليا بمدافعها الحديثة والتي حصدت منهم الكثير لم يزدهم الموت والدمار إلا إصراراً على الصمود والثأر الموت أو الكرامة. كانت هذه هي طبائعهم الأصيلة وجزء من تكوينهم الفطري وميولهم الغريزية، لقد نزلوا إلى النيل معبودهم القديم ومصدر حياتهم وسر وجودهم وقد شق عليهم أن تلوث مياهه الطاهرة سفن العدو الغاشمة، سبحوا على صفحته غير مبالين بالهول الأكبر، هاجموا السفن واستولوا عليها وافرغوا شحنتها من الذخائر على شاطئ النهر الخالد، ثم امتطوا ظهور السفن وقصدوا سفينة القيادة إيتاليا للاستيلاء عليها، وكان يقودها القومندان موراندي الذي ضاعف إطلاق النار على الثوار، ولكن عزمهم كان أقوى وإرادتهم كانت أصلب وأصلد. هنا فكر القائد الفرنسي في الانسحاب لكن الريح عاكسته فجنحت به السفينة ولم يلبث أن هرع إليها الأهالي من كل صوب، وتحقق موراندي الخطر المحيط به فأشعل النار في مستودع البارود فنسف السفينة نسفاً وتناثرت شظاياها واختلطت بدماء غير قليل من الأهالي استشهدوا ولكن من بقي منهم قاتل ببسالة نادرة حتى مات موراندي متأثراً بجراحه، وقتلوا جميع الفرنسيين الذين كانوا على ظهر سفن الأسطول الفرنسي. كانت خسارة الفرنسيين في هذه الموقعة خمسمائة قتيل وهي أكبر خسارة منيت بها الحملة الفرنسية على مصر.
9
معارك قفط وأبنود 8 و 10 مارس: طاش صواب الفرنسيين بعد هزيمتهم الساحقة في نجع البارود فحاولوا الانتقام لرفع الروح المعنوبة لجنودهم التي انطفأت بعد معركة البارود. قصد الجنرال بليار مواقع الأهالي على مقربة من قفط التي دارت فيها معركة رهيبة انسحب بعدها الثوار إلى قرية أبنود التي تحصنوا فيها ونصبوا المدافع التي غنموها في البارود وأخذوا يطلقون النار على حشود الفرنسيين ففتكوا بهم فتكاً شديداً. كانت المرة الأولى التي واجه فيها الفرنسيون أسلحة حديثة من أسلحتهم التي غنمها الفلاح المصري واستوعبها. كانت المعركة تميل لصالح المصريين، وهنا أدرك بليار حرج موقفه فوجه جيشه كله لمهمة واحدة الاستيلاء على هذه المدافع. واستمرت المعركة اثنتي وسبعون ساعة لم يتغلب فيها الفرنسيين على ثوار قنا إلا بعد أن أضرموا النار في مساكن القرية ومسجدها وأحالوها إلى كتلة من الجحيم وأكوام من الرماد. ضربت معركة أبنود مثلاً رائعاً من أمثلة الصمود والتحدي، معركة اختبر فيها الغاصبون معدن الجنوبي الأصيل وعرفوا صلابة الفلاح المصري عندما يملك سلاحاً متكافئاً.
10
كان مماليك عثمان بك حسن يشاهدون المجزرة من بعيد. لم يأتوا شيئاً ولم يصنعوا شيئاً. 11
فبالرغم من انتصار الفرنسيين في موقعة أبنود إلا أن القتال وروح المقاومة التي واجهتهم والخسائر الجسيمة التي حاقت بهم عجلت من انسحابهم من الصعيد كله. قال الجنرال بليار في رسالة له "إننا نعيش هنا معيشة ضنكاً" وكاد ديزيه يلقي حتفه في موقعة بئر عنبر لولا أن افتداه أحد جنوده.
12
كانت هيبة فرنسا قد سقطت في معركة نجع البارود واهتزت كرامتها بعنف في معركة أبنود، بينما كانت المقاومة تكتسب في كل يوم نضجاً وخبرات قتالية وروحاً معنوية عالية وأصراراً على النضال حتى النصر.
13
لقد شهدت محافظة قنا معارك كثيرة حول فيها الرجال الهزيمة بالعزم والإصرار إلى نصر. لم تقهرهم مدافع فرنسا الحديثة، فقد انتصرت الإرادة على الآليات، والنبابيت على المدافع. وبعدها لم يطق الفرنسيين الإقامة في الصعيد، بل وشهدوا قبلتا على بسالة رجال قنا وسجلوا في مذكراتهم بطولتهم وبسالتهم النادرة في المواجهة. كانوا في مذكراتهم صادقين وهم يرسمون صورة المناضل الجنوبي الذي استطاع بجدارة أن يجبرهم على احترامه.
14
ستظل معركة نجع البارود علامة بارزة في تاريخ النضال الوطني وسفر الحرية تشهد بالفخر للإنسان المصري الصلب العزيمة القوي الإرادة. وهناك أمام نجع البارود رسم النيل شاهداً عظيماً حيث تكونت قوق هياكل السفن الفرنسية الغارقة جزيرة بعدما ترسب طمي النيل عليها في فيضه، ما زالت شاهداً حياً للمعركة. وهناك لمسة حضارية، لم يعتدي الثوار على الرسام دينون وأعضاء الفيلق العلمي للحملة، وتركوهم يسجلون آثار الحضارة ولم يتصدوا سوى للمحاربين.
15
كان الطريق إلى نجع البارود يحمل ثراء تراث ممتد لأكثر من سبعة آلاف عام تضيئه مشاعل أعرق حضارة في التاريخ. فهل وعى الذين جاءوا يدعون نقل الحضارة الحديثة إلى بلادنا المتخلفة أننا مهد الحضارة الإنسانية، ومفتاح التقدم ومدرسة التاريخ.
عبد المنعــم عبد العظيــم
الأقصـــر.. مصــــر

حبيبة ممدوح كمال



احفادى احمد ايمن ومحمد يوسف


اخر ضيوف بيتنا جنا حسن عبدالمنعم


حفيدتى ايه ايمن عبدالله مع حفيدى محمد يوسف ابو الشيخ