كتب: عبد المنعم عبد العظيم
فى عام 1942 عثر كل من عالمى الآثار الأمريكيين ( وينلوك) و( جن) إثناء حفرهما فى (مقبرة مسح ) فى منطقة معبد ملكة مصر العظيمة حتشبسوت الدير البحرى بالبر الغربى بالاقصرعلى ثلاث رسائل كاملة وبقية من رسالة وثلاث ورقات تضم قوائم حسابية
ولم ينتبه اى من علماء الآثار فى ذلك الوقت لهذه الرسائل التى حصلت البعثة الأمريكية عليها ضمن نصيبها من القسمة بعد الانتهاء من الحفائر وهذه البرديات محفوظة ألان بمتحف المتروبوليتان بالولايات المتحدة الأمريكية دعنا نعيش مع هذه الأوراق
......
يأخذ الولد الأكبر ( امرسو ) الرسائل معه أثناء عمله .. يحفظ ما فيها خوفا من بطش أبيه على الرغم من بعد المسافة بينهما .
يحملها معه فى الصباح ويجلس فى حوش مقبرة الوزير( ابى ) وزير الملك ( منتوحتب سمنخ كارع ) حيث يعمل كاهنا لهذه المقبرة بدلا من والده ( حتا نخت) الذى رحل الى العاصمة منف لكى يشرف على الضياع الموقوفة لصالح مقبرة الوزير هناك .
قبل السفر اجتمع ببقية أفراد أسرته ينصحهم ويوزع الأعمال بينهم لان إقامته بالعاصمة قد تطول سنة أو سنتين وربما أكثر
......
فى ابريل 2005 كان الجو دافئ فى بلدة ( نيسيت ) التى تبعد عن الأقصر جنوبا بمسافة ثلاثة عشر كيلومتر (قرية المريس حاليا)
جلس الأب (حتا نخت) وعلى حجره بردية سجل فى أعلاها التاريخ السنة الخامسة من حكم (منتو حتب الثالث ) الشهر الثانى من فصل الصيف اليوم السابع
جلست بجواره أمه العجوز (ايبى) التى تتابع كل ما يدور حولها دون أن تعلق وأمام الأب يقف ( امرسو) وهو ينصت فى اهتمام بالغ ويمسك فى يده ورقة يسجل عليها ما يقول الأب خشية أن تفوته أو ينسى أوامر أبيه
أما ولديه( سيبنون ) و( ساحتحور) فجلسا على بعد وكل منهما يقف أمام زوجته
(سيبنون ) يتميز بالبدانة عن أخيه ( ساحتحور) لذلك سماه والده ابن المدينة
وهناك طفلين لم يتعدى عمريهما خمس او ست سنوات ( سنفرو) الحليوة ذلك الولد الصغير المشاكس والأخر ( اسنو )
امسك (حتا نخت) بالقلم الأحمر وسجل مقادير الخبز لكل فرد من إفراد أسرته لثلاثة مواسم وأعطى نصائح لـ (امرسو) لمتابعة الأرض الزراعية وحرثها جيدا والاهتمام بريها وتوزيع الحبوب وتهدئة الصراعات الشخصية بالإضافة للذهاب لمقبرة المرحوم (ابى) لتقديم القرابين وتلاوة الصلوات الدينبة على روحه
ووجه كلامه الى الابن الذى يلي ( امرسو) وهو ( سينون):
اعتنى جيدا بالمواشى فى كل يوم تأخذ الثيران والخراف والماعز والأبقار وترعاها وأنت تعرف أن مجموعهم 35 رأسا
وأكمل كلامه لابنه (امرسو) :
لو اشتكى لى (سينون ) من ضياع اى ثور فأنت المسئول امامى وسوف اخصم ثمنه من مقادير طعامك
.....
سافر الأب الى منف بعد ثمانية أيام من اجتماعه بالأسرة اى فى 9ابريل من نفس العام وراح يتابع شئون عزبتين تصرفان على كهانة مقبرة الوزير إحداهما فى جنوب منف والأخرى فى وسط الدلتا
أثناء الرحلة الأولى للوالد لم يكن هناك استقرار أو رسائل ربما أدار الأب شئون عائلته خلال ثلاث سنوات بما سجله فى البردية ورغم أن الأمور غامضة فى هذه المرحلة لكن من الممكن تخيلها فالابن الأكبر يتابع أمور الأسرة يرعى العجوز (ايبى) ويبدو أن أمه ماتت لأنها لم تذكر فى توزيع المهام أو الرسائل وكان (امرسو) يصحب أخويه الكبيرين (سينون) و (ساحتحور) الى الأرض لحرثها ويتركهم بعد أن يعطى لهم الأوامر حيث يذهب الى مقبرة الوزير ليضع على مائدة القربان بعض الأطعمة والمشروبات ويقرا على روح الوزير تلاوات من نصوص الأهرام والتوابيت التى أصبحت مشاعا للناس بعد أن كانت وقفا على الملوك
.....
فى أثناء غيبة الأب كان يزور العائلة ( رع نفرو) وهو رجل له خبرات فى شئون الزراعة والفلاحة ووصى ( حتا نخن ) ولده الأكبر باستشارته حين الحرث أو الزرع أو الحصاد وكان يصاحب (امرسو) حين تفقده ممتلكات والده التى توزعت فى مزارع برحاعا و يوسبتو و سبات ماعت وكل هذه المزارع كانت تقع جنوب طيبة فىالإقليم الرابع من أقاليم الصعيد ( ارمنت حاليا)
وفى السنة الأخيرة قبل عودة الأب لزيارة عائلته فى (تيسيت) كان الولدان الصغيران (سنفرو) و(أنبو) قد بلغا أشدهما وأمر (امرسو) أخيه الأصغر (سنفرو) ان يذهب الى الحقل ليساعد إخوته فى فلاحة الأرض وعلى الرغم من ضيفه فانه ذهب ونفذ أمر أخيه وفكر فى ان يرسل رسالة الى أبيه فى منف يشكو أخاه الأكبر من تعنته حتى الطعام لم يعطه كفايته وذهب الى (نخت) ملاحظ الأملاك لكى يكتب له رسالة لوالده.
....
عاد الأب فى زيارة سريعة فى منتصف عام 2002ق .م لكى يرى أمه وعائلته ومحصول العام وكانت زيارته السريعة بعد الحصاد مباشرة والمحصول الذى تم جمعه خمسة وخمسين مكيال شعير موزع بنفس نصيب الرحلة الأولى ولم يضع الخبز لأنه حتى رحيله لم يطحن القمح
ولا الشعير فكلف ابنه بذلك
وزار زراعاته المتناثرة فى الإقليم الرابع يرافقه (حاو الصغير) جاره وصديقه( رع نفر) و (نخت) ملاحظ أملاكه
ولم يبد رضائه عن أحوال المزارع ولام ابنه على عدم اهتمامه ووبخه بعنف شديد
وبعد ان اطمأن على أحوال العائلة رحل الى منف فى أواخر شهر مايو عام 2002 ق.م
.....
فى أول شهر أغسطس 2002 ق.م اى بعد ثلاثة أشهر من رحيله أرسل الى ابنه (امرسو) الرسالة الأولى وكانت بعد عودته بقليل من مزرعة وسط الدلتا:
بخصوص زراعة أرضنا فأنت الذى تزرعها ولن أحاسب أحدا غيرك فهى فى مسئوليتك فاجتهد فى الزراعة واحترس وحافظ على كل ممتلكاتى فأنت امامى مسئول عنها واحتاج (حتا نخت ) وهو فى منف الى القمح والشعير فأوصى ابنه بان يأخذ من مخازن البيت ويرسله اليه وقال له :
أرسل الى بعض القمح وما يمكنك إرساله من الشعير وكل ما يزيد عن حاجتكم حتى حلول الصيف و كان الصيف سيحل فى 2/9 لذلك أرسل الى ابنه قبل حلول الفيضان ينصحه بان يهتم بالأرض وزراعتها والاستعداد لذلك قبل ان تغرق فيقول :
لو إن ارضي غرفت وكان إخوتك ( سنفرو) و(اسنو) يزرعان الأرض معك فالويل لك ثم الويل لأخيك (سا حتحور)
ثم نصح ابنه بان يشترى أو يستأجر أراضى أخرى لكى يزرعها ولان (امرسو) صغير السن فعليه إن يأخذ بنصائح الجار الوفى او مستشار الأسرة الأمين والطريف انه اظهر فهلوة المصرى القديم عندما يأمر ابنه يان يعطى منسوجات كتانية قيمة أيجار الأرض ( مقايضة) وعلى (امرسو) أن يقنع ملاك الأرض بان هذه المنسوجات ممتازة فيقول فى باقى رسالته الأولى :
دع أمين الأسرة (حتى نخت) وأخيك ( سينون) يذهبان الى (بوحاعا) لشراء فطعتى ارض من مالكيها ويجب ان تكون قيمة اجر الارضين من المنسوجات المحلية وقل لهما إنها ممتازة وحذارى ان تتورط فى ارض لا تعرفها واستشر فى ذلك جارى (حاو الصغير) أو (رع نفر) فهما يستطيعان أن يرشداك الى الأرض الجيدة وحذر الوالد ابنه (امرسو) بعدم مخالفة أوامره وألا يعطى لامين الأسرة (حتى نخت) اية زيادة فى نصيبه لأنه قام بهذه المهمة ويبدو أن (حتى نخت) كان يقيم مع العائلة فى نفس الدار وكان له نصيب شهرى من الشعير مقداره إردب له ولأسرته
.....
الغريب ان عائلة (حتا نخت) لم تكن تتضمن أولاده وأمه فقط فقد كان يعيش فى الدار ضيوف كثيرين ففى البيت كانت تعيش (ايتن حاب) المحظية الجميلة التى كان يعشقها الأب وربما تزوجها وتعرضت لمضايفات الأولاد الصغار (سنفرو) و (اسنو) وأخيهما (ساحتحور) كما غارت منها الخادمة (سنن) التى كانت ترى سيدها (حتا نخب) يداعب (ايتن حاب) كل ذلك تحت سمع ويصر( امرسو) فتعرض للوم شديد من أبيه بل هدده بالطرد من المنزل إذا لم يوقف هذه المهزلة فقال لابنه : (امرسو) اطرد الخادمة سنن من دارى حالا وافرض على (ساحتحور) ان يزورك يوميا ولو بقيت فى البيت يوما واحدا وأساءت لمحظيتى فانت المسئول كان الرب فى عون جاريتى وهى فى وسط خمسة أولاد كيف أعيش معكم فى دار واحدة وانتم لم تحترموا محظيتى من اجل خاطرى
وكانت (ايتن حاب) تعيسة الحظ فبالإضافة الى غيرة الخادمة ومشاكسات الأولاد الصغار وعدم اهتمام (أمرسو) كان (اب) الذى يعمل بالأجرة فى منزل (حتا نخت) يداعب (ايتن حاب) ويغازلها حتى أنها أرسلت تشكو ذلك الى سيدها او زوجها (حتا نخت ) فى منف فأرسل الى ولده يطلب مجيئها الى منف:
ارسل الى (ايتن حاب) ومادام هذا الرجل الذى يدعى (اب) حيا يرزق فهو عدوى وأنا عدوه لأنه أساء الى محظيتى ويجب ان تعامل محظية الإنسان معاملة حسنة ولم ينسى( حتا نخب) امه فى رسائله فقال لابنه بلغ سلامى الى امى ألف مرة بل مليون مرة
ومن ضمن افراد عائلته احدى قريباته واسمها (حتبت) ولها ابن صغبر يدعى (ماى) وسيدة أرملة عطف عليها (حتا نخت) وضمها الى افراد الاسرة وكان يخصص لها ولأولادها أنصبة من الشعير والقمح وكان للسيدة الأرملة ابنة مدللة عند (حتا نخت) وأرسل لابنه بلغ سلامى لـ (حتبت) وكل أفراد الأسرة وخاصة ( نفرت) ثم أوصى(امرسو ) على الولدين معا قائلا :
اهتم ب (انبو) و(سنفرو) وعش معهما ومت معهما هل تفهمنى
.....
تلك الأوراق التى تحكى جانب من حياة أسرة مصرية من غرب النيل بالأقصر من قرية المريس والمخطط لها ان تتحول الى مرسى عالمى للبواخر النيلية ضمن المشروع الحضارى لتطوير مدينة الأقصر عمرها اربعة ألاف سنة ونيف
أوراق تحكى كيف كان يعيش اجدادى فى البيت الكبير الذى يجمع الاب والأبناء والجدة والأقارب والعمال فى ترابط اسري عظيم كيف كانت حياتهم مخططة منظمة
ولقد أثارت هذه الأسرة أشجان صديقى الاثرى الدكتور احمد صالح احد خيرة خبراءنا الأثريين والذى حول متحف التحنيط الأقصر عندما كان مديرا له الى جامعة مفتوحة مع رفيق دربه الاثرى محمد يحى عويضة وملتقى لأحباب مصر
كان يحكى لى عن (حتا نخت) بلدياتى وكيف كان يخطط لحياته فى غربته فى إعجاب شديد وها انأ انقل للقارىء العزيز قصته
عبد المنعم عبد العظيم
الأقصـــر..مصــر
Monemazhm2007@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق