الاثنين، 3 أغسطس 2009

الهرم الناقص وانتحار غنيم

زكريا غنيم ينتحر بعد أن اكتشف هرما ناقصا
الاثنين, 13 يوليو 2009 02:55

عبدالمنعم عبدالعظيم . مصر


يؤكد صديقي المستر بيتر، أو بطرس تادرس، أشهر ترجمان في الاقصر، أنه حي إذن، فلا توجد لعنة للفراعنة، وقد عمَّر أكثر من خمسة وثمانين عاما، وكان يعمل سكرتيرا لكارتر مكتشف مقبرة توت عنخ آمون، ودخل المقبرة منذ اكتشافها ولم تصبه لعنتها.

وكنت أتصور عندما التقيت مستر بيتر هذا والشيخ علي عبدالرسول الذي أسهم مع بلزوني في كشف مقبرة الملك سيتي أن لعنة الفراعنة لا تصيب المصريين.

ولكني توقفت أمام حكاية الأثرى المصري زكريا غنيم، أمين جبانة سقارة الذي اكتشف هرم الملك سخم – خت (2602-2611 ق. م) من ملوك الأسرة الثالثة، عام 1952 هذا الهرم يقع خلف هرم الملك زوسر المدرج بسقارة، وصمم ليكون على شاكلته، إلا ان العمل فيه لم يكتمل سواء في داخله أو مصاطبه، وكان من المدهش أن يختفي هرم، فالأهرام من البنايات التي ليس من السهل اختفائها أو فقدها.

عثر غنيم على جزء من السور الخارجي (السور الأبيض) كان قريب الشبه للسور الخارجي لهرم زوسر، وطبق فيه نفس النمط المعماري المعروف بالمشكاوات، وفي 22 يناير/كانون الثاني 1952 تأكد غنيم أنه ليس هرما عاديا، ولكنه هرم مدرج، ثم بدأ في البحث عن مدخل الهرم أسفل حجراته السفلية.

ونظرا لوقوع مدخل هرم زوسر في الناحية الشمالية، أزاح غنيم الرمال في الجانب نفسه في هرمه المكتشف فوجد البناء شبيها به.

دخل المكتشف ممرا طويلا مليئا بالرديم والأنقاض، ونظفه، ووجد مئات من الأواني الجنائزية المصنوعة من الأحجار الصلبة واللينة، مرتبة في طبقات على أرضية الممر تشبه الموجودة في مجموعة زوسر الهرمية، ثم عثر على آثار مدهشة مثل علبة مساحيق تجميل على شكل قوقعة ذهبية نادرة، وخرز من القيشاني ومجموعة من الأواني المختومة من الطمي تحمل اسم صاحب الهرم الملك شخم – خت، وأواني وأدوات نحاسية وظرانية زلطية، ووجد أسفل الهرم عددا من المخازن الصغيرة.

وفي مايو/آيار 1954 واصل العمل رغم الصعوبة التي عاناها حتى وصل غنيم إلى حجرة دفن الملك، وقال عن تلك اللحظة "عندما دخلنا وارتفع ضوء المصباح شاهدت في منتصف الغرفة تابوتا ضخما من الألباستر، فتحركت إليه، وكان أول سئوال يدور بذهني، هل هذا التابوت سليم لم يمس؟"

وعاش حلم الاكتشاف العظيم واتجهت كل الأنظار إلى سقارة، وإلى الأثري المصري الذي اكتشف هذا الهرم، وكان مثار اهتمام وسائل الإعلام العالمية والمحلية.

وافتتح الهرم في 9 مارس/آذار 1954 وحضر الرئيس جمال عبدالناصر الافتتاح، ومعه رجال الثورة، وكان الأستاذ محمد حسنين هيكل قد دعاه لزيارة الكشف الجديد. وكانت زيارة تاريخية أظهرت احترام رجال الثورة للآثار.

وبدأ الأثريون في الاستعداد لفتح التابوت واحتبست الأنفاس. وبدأ الفتح ببطء شديد، والكل في انتظار المفاجأة، إذ كان الاعتقاد أن التابوت يحتوي على جثمان الملك سخم خت، مما سيجعله أهم كشف في الوجود، خاصة أن الهرم المدرج المعروف بهرم زوسر المدرج الذي بناه "إيمحوتب" أعظم عباقرة العصر الفرعوني، ألَّهه المصريون القدماء، واعتبروه إلهاً للطب، وكان المثقفون في مصر القديمة يرددون اسمه قبل أن يكتبوا سطوراً على ورق البردي.

واستطاع هذا المهندس العبقري أن يبني سراديب الهرم المدرج بطول حوالي 7 كم داخلها تابوت ضخم للملك، وتوابيت من المرمر لدفن بناته الـ 11. وعثر فقط داخل الهرم المدرج على جزء من ذراع الملك "زوسر" محفوظة الآن بكلية الطب جامعة القاهرة.

ولذلك كان العثور على هذا التابوت المغلق يعتبر حدثا مهما آخر لا يقل عن كشف كمال الملاخ لمراكب الشمس. وسُمح لعدد قليل من الصحفيين بالدخول إلى حجرة الدفن للهرم الناقص. وسلطت الكاميرات على عيني زكريا غنيم، وجثا غنيم على ركبتيه، فوجد التابوت فارغا ولم يعثر على ما يدل على أن صاحب المقبرة دفن فيه.

يقول غنيم عن تلك اللحظات الصعبة في حيانه "إنه من الصعب علي أن أصف هذه اللحظات. خليط من الرهبة والفضول والشك. شعرت أن للهرم شخصية، وأن هذه الشخصية كانت مجسدة في الملك ذاته الذي بني من أجله الهرم ولا تزال أصداء أنفاسه تتردد بيننا."

وكانت المفاجأة أن التابوت كان خاليا، ولا توجد به أي أسرار فرعونية. أعتقد زكريا أنه اكتشف مدفنا كاملا إلا أنه ثبت غير ذلك .

وبعد حوالي ثلاث سنوات، وفي 12 يناير/كانون الثاني 1959 تحديدا، وحين أجري جرد لعهدة زكريا غنيم الأثرية في سقارة تمهيدا لتوليه أمانة المتحف المصري بالقاهرة، وجهت إليه تهمة ضياع بعضها، وتحديدا الآثار التي اكتشفها في هرم الملك سخم – خت، أحس غنيم أن مستقبله المهني انتهى عندما اتُهِم بسرقة وتهريب الآثار. بالرغم من عدم وجود أدلة على إدانته (وقد وجد لاور الدليل على براءته).

ولم تتحمل نفس زكريا غنيم وقع الصدمة، فألقى بنفسه في نهر النيل الخالد، واحتضنه الإله المصري القديم حابي في حنو بالغ، وغابا معا في مياهه العذبة المقدسة علها تطهر ما بقى في نفسه من حسرة على مكافأته على اكتشافه الكبير.

هل كان حادث انتحار الأثري العظيم غنيم، نتيجة لعنة الفراعنة لأنه اقتحم تابوت الملك الهارب من مخدعه الأخير، أم أنها نفس حساسة فضلت الموت على الاتهام وهرب بجسده من اتهام أثبتت الوقائع براءته منه، وأنه كان ضحية لصوص الآثار الذين ما زلوا يرتعون بين المقابر والمعابد والدفنات الأثرية يبحثون عن الثراء ويبيعون الحضارة التليدة للأجانب، دون أن يعوا أنهم يبيعون أنفسهم وتاريخهم وحضارتهم في سوق النخاسة العالمي.


عبدالمنعم عبدالعظيم ـ الأقصر (مصر)

Monemazim2007@yahoo.com هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته

ليست هناك تعليقات: