قراءة فى ملف الإخوان المسلمين
كتب عبدالمنعم عبدالعظيم
فى لحظة فارقة فى تاريخ مصر وصل حزب الحرية والعدالة حزب جماعة الإخوان المسلمين الى سدة الحكم بعد فوز رئيس الحزب الدكتور مهندس محمد مرسى برئاسة الجمهورية وفوز الحزب بأغلبية مقاعد المجالس التشريعية الشعب والشورى فى سابقة غير متوقعة حتى للإخوان أنفسهم لكن التحول العظيم الذى حققته ثورة 25يناير جعلت المستحيل ممكنا فقد هيئت الثورة المناخ للتغيير وحدوث هذا الانقلاب السياسى على الموروثات والثوابت فى الفكر السياسى المصرى أملا فى التغيير الى الأحسن بعد أن وصل الفساد الى ذروته وظن الناس ان هؤلاء الذين خرجوا من السجون والمعتقلات قادرون على هذا التغيير
نحن الان أمام تجربة جديدة تتأرجح بين الدولة المدنية والمرجعية الدينية للجماعة الحاكمة بين جماعة لها منهج فكرى وأهداف استراتيجية من اجل االوصول الى الدولة الإسلامية التى تؤمن بحاكمية الله والتى تستمد دستورها من القران الكريم والسنة النبوية الشريفة والأسس الثابتة للشريعة الإسلامية وبين دولة مدنية ديمقراطية تقوم على أسس المواطنة التى اصبحت هى الثقافة السائدة واى انهيار فى منظومتها يعنى انهيار مجتمعى وستجد الجماعة نفسها فى المربع الاول من جديد
الى جانب تفاقم المشكلة الاقتصادية وانهيار منظومة القيم والفوضى الامنية والارتفاع غير المتوقع لاسعار السلع والخدمات وانهيار القيمة السوقية للجنيه المصرى وزيادة المطالب الفئوية رغم نضوب موارد الدولة ونقص الانتاج ومحاولة الاعتماد على القروض والمنح التى دائما ماتكون مشروطة
لقد انحشر النظام فى منزلق خطير لايحسد عليه ولا مخرج منه سوى بالمراجعة الأمينة والمواجهة الصريحة للمشاكل
أعود لمراجعة الملف التاريخى للجماعة الحاكمة لمحاولة فهم اسسها الفكرية منذ ان أسسها الإمام حسن البنا فى الإسماعيلية التى كان مدرسا بإحدى مدارسها الابتدائية
كانت جماعة صغيرة تهدف الى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والإرشاد وبناء المساجد والمدارس وقد تبرعت لها هيئة قناة السويس بمبلغ 500جنيه لبناء مقر لها ثم نمت الجماعة وأصبح لها مقار فى معظم المدن المصرية وانتقل مركزها الرئيسى الى القاهرة العاصمة
وعندما اشتد الصراع بين حزب الوفد والملك فاروق بعد معاهدة 1936 طفت الجماعة على سطح الإحداث الى جانب رجل الملك على ماهر باشا
حاول الملك ايامها إنشاء أحزاب موالية لهل لكسر قوة الوفد حزب الأغلبية
مثل حزب الشعب وحزب الاتحاد لكنه فشل فاحتضن جماعة الإخوان المسلمين لتكون زراعه لمحاربة الوفد عدوه التقليدى بالرغم من اتهام الإخوان أيامها بالتعاون مع ايطاليا وتلقى الدعم من نظامها الفاشيستى المتعاون مع المانيا النازية
بلغ من تعاون الجماعة مع الملك أنها خصصت مؤتمرها العام الرابع لغرض واحد هو الاحتفال باعتلاء الملك العرش وتجمع الإخوان أمام قصر عابدين هاتفين نهديك بيعتنا وولاءنا على كتاب الله وسنة رسوله
ولقد زكرت جريدة البلاغ فىى20 ديسمبر1937 انه عندما اختلف مصطفى النحاس مع الملك وخرجت الجماهير تهتف الشعب مع النحاس فبرز حسن البنا ورجاله هاتفين الله مع الملك بدأت الجماعة تتحول من جماعة دعوية الى جماعة سياسية
كتب المناضل احمد حسين فى جريدة مصر الفتاه فى17 يوليو1941 ان حسن البنا أداة فى يد الرجعية وفى يد الرأسمالية اليهودية وفى يد الانجليز وصدقى باشا وكان الشعب يستقبل حسن البنا بالهتاف ضده يسقط صنيعة الانجليز
وقد جاء بجريدة صوت الأمة فى 28\8\1946 انه عند تولى إسماعيل صدقى رئاسة الوزارة عام 46 وسط غليان الحركة الوطنية الرافضة له كان اول عمل يقوم به زيارة مقر الإخوان المسلمين بالحلمية ووقف يومها احد قادة الإخوان يهنىء الشعب بإسماعيل صدقى بتولى الوزارة قال واذكر فى الكتاب اسماعيل انه صادق الوعد وكان رسولا نبيا
كان الاخوان والملك فى جانب والحركة الوطنية فى جانب اخر يعادى الملك والانجليز حتى انهم شكلوا مع صدقى باشا اللجنة القومية لمواجهة لجنة العمال والطلبة واكد الملك فى مذكراته التى نشرتها مجلة الطليعة انه شجع الاخوان ليقضى على حركة الوفد واليسار وإحداث شرخ فى الحركة الوطنية وكان صدقى يستعين بالإخوان لتحقيق أهدافه المرتبطة بالانجليز وجعل حسن البنا يركب سيارة سليم زكى الحكمدار لتهدئة الشعب
وقد حرص الإخوان المسلمين منذ البداية على تكوين فرق الجوالة التى شكلت مليشيات لخدمة إغراض الإخوان السياسية
ومن بين صفوف الجوالة التقط أعضاء الجهاز الخاص أفراده ودربوهم على مختلف الأسلحة وكانت حرب فلسطين 1948 فرصتهم التى ابتهلوها لتجميع الأسلحة وكانت فرصتهم لتدريب أعضاء الجهاز الذى كان تابعا للمرشد العام مباشرة
كانت القوة احد وسائلهم للوصول الى الحكم كما يقول عبد الرحمن الرافعى
بدات الجماعة عملياتها الإرهابية بتفجير القنابل فى دور السينما وحارة اليهود وشركة الاعلانات الشرقية ومحلات شيكوريل وغيرها ثم باغتيال المستشار احمد الخازندار امام مسكنه بحلوان لانه حكم على بعضهم بالسجن يقول مرتضى المراغى وزير الداخلية السابق ان الاخوان المسلمين كانت لهم محكمة تنعقد لمحاكمة من تعتبرهم خصوم لها او خونة فى حق الوطن والدين وحبن تصدر احكامها على احد منهم بالقتل او نسف داره تختار بضعة شبان لتنفيذ الحكم
فى شهر يوليو48 انفجرت شحنة ناسفة فى محل شيكوريل وبعدها بشهرين وقع انفجاران بمحل بنزيون وجاتنيو وفى سبتمبر وقع انفجار هائل فى حارة اليهود ترتب عليه انهيار اربعة منازل و20 قتيل و66 مصاب وفى نفس الشهر تم تفجير مبنى شركة الاعلانات الشرقية
فقدم عبدالرحمن عمار وكيل وزارة الداخلية مذكرة حول جماعة الاخوان قال فيها: ان الجماعة ترمى الى الوصول للحكم بالقوة والإرهاب وإنها اتخذت الاجرام وسيلة لتنفيذ أهدافها فدربت شبابا من أعضائها أطلقت عليهم اسم الجوالة وانشات لهم مراكز رياضية تقوم بتدريبهم تدريبا عسكريا وأخذت تجمع الأسلحة والقنابل والمفرقعات وتخزنها وساعدها على ذلك ظروف حرب فلسطين وأكد ان وجود هذه الجماعة يهدد الأمن العام وبناء على هذه المذكرة اصدر رئيس الوزراء والحاكم العسكرى محمود فهمى النقراشى امرا عسكريا فى 8 ديسمبر 1948 بحل الجماعة ومصادرة اموالها واغلاق مقراتها
وبعد قرار الحل بعشرين يوما تم اغتيال النقراشى على يد طالب من الاخوان يرتدى زى ضباط البوليس يدعى عبدالحميد احمد حسين وهتف الشعب فى جنازة النقراشى الموت لحسن البنا
وواجه الاخوان بعدها اكبر حركة اعتقال وتنكبل وتعذيب وتشريد وفصل ما الوظائف والمدارس والجامعات ودبرت حكومة ابراهيم عبدالهادى لاغتيال المرشد العام حسن البنا ردا على اغتيال النقراشى وثبت ان الاميرلاى محمود عبدالمجيد مدير المباحث الجنائية هو الذى دبر اغتيال البنا
كان التعذيب الذى وقع على الإخوان على يد حكومة عبدالهادى رهيبا قوق احتمال البشر لهذا حاول الإخوان اغتيال إبراهيم عبدالهادى وأصيب رئيس مجلس النواب حامد جودة ونجا عبدالهادى
فى يناير 1950 فاز الوفد فى الانتخابات وشكل النحاس الحكومة على غير هوى الملك واسقط الأمر العسكرى بحل الجماعة وعادت الجماعة تلملم شملها وتم اختيار المستشار حسن الهضيبى مرشدا عاما وايد الملك والانجليز هذا الاختيار و ظلت الجماعة على ولائها للملك وتكررت زيارت المرشد للقصر وقال الإخوان زيارات نبيلة لملك نبيل
ولعلاقتهم الوثيقة مع الانجليز تقاعس الإخوان عن المشاركة فى الكفاح المسلح بالقناة ضد الاحتلال الانجليزي وصرخ خالد محمد خالد ابشر بطول سلامة ياجورج منددا بموقف المرشد من الكفاح المسلح وكذلك إحسان عبدالقدوس الذى كتب الإخوان الى أين فى روزاليوسف
وعندما قامت الثورة فى 23 يوليو 52 التى ادعى الإخوان زورا إنهم صناعها وهم الذين رفض مرشدهم إصدار بيان من الجماعة يؤيد الثورة وظل مرشدهم فى مصيفه بالإسكندرية حتى تم عزل الملك واستمر فى صمته حتى تأكد من نجاح الثورة هنا اصدر بيان تأييد للثورة وطلب المرشد مقابلة احد قادة الثورة واجتمع به عبدالناصر بمنزل صالح ابورقيق وخرج المرشد من الاجتماع رافضا للثورة والتعاون معها طلب المرشد من عبدالناصر تطبيق الحدود الإسلامية فرد عبدالناصر ان الثورة قامت لمحاربة الظلم والاستبداد السياسى والاجتماعى ومحاربة الانجليز وهذا تطبيقا لأحكام القران وراى المرشد إصدار قانون لعودة الحجاب الى النساء وإغلاق دور السينما والمسارح فرد عبدالناصر لا طاقة لى بذلك وأصر المرشد على طلباته فقال له عبدالناصر إن لك بنت فى كلية الطب بتروح الكلية بدون حجاب اذا كنت أنت مش قادر تحجب بنتك حتخلينى انا افرض الحجاب على شعب وبالنسبة للسينما والمسرح ممكن اعمل رقابة عليها ولا أغلقها وقال عبدالناصر سأمنع من يقل سنه عن 21 سنة من ارتياد الملاهى ولم يعجب هذا المرشد وكان الإخوان يطالبون بدكتاتورية ويحاربون الديمقراطية وقد بلغ الخلاف بين عبدالناصر والمرشد مداه عند تطبيق قانون تحديد الملكية الزراعية الإصلاح الزراعى وتصميم الثورة على جعل الحد الأقصى ب200 فدان ولم يعجب هذا المرشد تصور المرشد انه لابد أن يكون وصيا على الثورة ويجب أن تعرض عليه قراراتها وان الثورة تحتاج تاييده وبالرغم من الثورة أعادت محاكمة قتلة حسن البنا وحاكمت الهلباوى على جرائمة ضدهم وأصدرت عفوا عن قتلة الخازندار وقتلة النقراشى والعفو الشامل عن كل القضايا السياسية
عندما اختلفت الثورة مع على ماهر وقررت الثورة تشكيل الوزارة اتصل عبدالحكيم عامر بالمرشد فرشح له الشيخ احمد حسن الباقورى واحمد حسنى للوزارة وبعدها بساعات حضر لمجلس القيادة حسن العشماوى ومنير الدلة وقابلا عبدالناصر وقالا انهما جاءا لدخول الوزارة بتاييد من المرشد وقال عبدالناصر انه ابلغ الباقورى واحمد حسنى وسيحلفا اليمين فى الساعة السابعة فقرر مكتب الإرشاد فصل الباقورى من الاخوان وهكذا وقف الإخوان من البداية ضد الثورة
ورغم ذلك استثنت الثورة الإخوان من قانون حل الأحزاب ومثلت ثلاثة منهم فى لجنة وضع الدستور
بدء الإخوان فى العمل ضد الثورة فى اتجاهين
الأول الاتصال بالانجليز وطلب المرشد من الثورة الدخول فى حلف مع الانجليز
والثانى وتنشيط الجهاز السرى ورفض هيئة التجرير والاشتباك مع شباب الثورة فى الجامعة والاعتداء عليهم يوم12 يناير 1954 وحملوا نواب صفوى زعيم فدائى إسلام الايرانى على الأكتاف والاعتداء على الشباب
بعدها قرر مجلس قياد الثورة حل جماعة الإخوان المسلمين وتم اعتقال المرشد العام و450 عضو أفرج عن اغلبهم
ودارت مفاوضات لإعادة الجماعة لممارسة نشاط دينى فقط بوساطة من الملك سعود ورات الثورة آن تعطى الإخوان فرصة أخيرة وأفرجت عن الهضيبى والمعتقلين ثم صدر قرار بإعادة الجماعة ورد ممتلكاتها وسمح للهضيبى وعدد من قيادات الإخوان بالسفر الى سوريا والسعودية وهناك هاجم الهضيبى الثورة ورجالها واتفاقية الجلاء
واشتدت حملة الإخوان على الثورة بالمنشورات وبث الإشاعات وحاول الإخوان اغتيال عبدالناصر بميدان المنشية بالإسكندرية وبعدها انفصم حبل الوداد مع الثورة وبدأت الثورة اكبر حركة اعتقالات لهم واكبر حركة تعذيب شهدتها مصر فى مواجهة إرهاب جماعة الإخوان المسلمين
فى النصف الثانى من عام 65 بدأت خطة التنمية تؤتى ثمارها وحققت اكبر نسبة تنمية فى العالم الثالث وكان مقررا ان تبدأ الخطة الثانية التى عطلها عدوان 67 وبدء حصار مصر اقتصاديا ومحاولة وقف المد الاقتصادى والتحرري فى ظل هذه الظروف خرج الإخوان المسلمين لقلب نظام الحكم وقتل عبدالناصر واكتشفت مؤامرتهم وقدم أعضاء التنظيم للمحاكمة وحكم بإعدام سبعة أعضاء نفذ الحكم فى ثلاثة منهم هم سيد قطب وعبده اسماعيل ومحمد يوسف هواش وخفف الحكم عن الباقين
ومات عبد الناصر لكن جماعة الإخوان لم تمت فقد عادت الجماعة الى العمل العلنى بصورة واقعية وليست رسمية منذ عام 1971 عندما أفرج الرئيس السادات عن المعتقلين من أعضائها فيما عرف بمجموعة ال118 وبدء جيل الوسط فى العمل ولهذا قصة اخرى سأتناولها فى دراسة اخرى عـــــبدالمنعـــــــــم عـــــيدالعظيــــم
مدير مركز دراسات تراث الصعيد بالاقصر
monemazim@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق