الأحد، 13 نوفمبر 2011

هرم الكولا الذي أهملته الآثار المصرية


عدت وفي نفسي غيظ من هذا الإهمال لأثر قد يفتح بوابة تاريخ هذه المنطقة ويفك كثيرا من أسرارها.


ميدل ايست أونلاين

كتب ـ عبدالمنعم عبدالعظيم

قبل ان يتحول هذا الأثر الى ركام من التراب

هذا الإقليم جعله الفراعنة أول أقاليم الجنوب ومطلع للصعود الى بقاعه هنالك حيث يتسع الوادي قليلا فتحج اليه الانسانية من اودية الصحراء، وتهرع اليه القبائل من اقددم العصور فتعرف فيه حياة مستقرة رتيبة كان لأصحابها شأن عظيم واثر خطير في حياة الوطن السياسية والاقتصادية، وفيه ضربت باكورة اللبنات التي بنى منها تاريخ الوطن، فمنه خرجت تلك السلالة التي مارست فيه شئون الحكم دهرا لتستوطن بعده اقليم طينة عند جرجا المصرية الحالية، واستطاعت بعدئذ ان تطوى اقاليم مصر تحت قيادة مينا واسرته التاريخية المعروفة.

وأمام الكاب العاصمة الاثرية التي تعد من اقدم عواصم مصر القديمة، وفي قرية صغيرة طواها النسيان وغربت عنها شمس الحضارة اسمها البصيلية التابعة لمركز ادفو بمحافظة أسوان اصطحبني عدد من شباب الاثريين من جمعية المرشدين السياحيين بالاقصر لزيارة هرم الكولا أحد آثارنا المهملة.

هذا الاثر تحدثت عنه بعض الكتب التي كتبها اصحابها كدليل للاثار لكنها لم تحدد له تاريخا فنجد ريتزنر يتردد في تسميته هرما، وقد حفرت بعثة من مؤسسة الملكة اليزابيث للدراسات المصرية القديمة برئاسة جان كابار عام 1946 في هذا الموقع املا في العثور على مدخل هذا الهرم، ولكنها لم تنجح في الوصول اليه وبعدها بسنوات قام جان ستينون مهندس من تللك البعثة بعمل دراسة عن الجزء فوق الارض من هذا الهرم وخرج بالنتائج التالية:

أن هذا الهرم شيد ليكون هرما مدرجا يتكون من نواة وثلاث طبقات، أولاها مكون من اثني عشر مدماكا من الاحجار وارتفاعها 4 أمتار ونصف المتر، والثانية عشر مدماكات، اما الثالثة فقد تهدم جزء كبير منها.

وقد حصل البناءون القدماء على الأحجار الصغيرة التي شيد منها الهرم من محجر قريب منه وان هذه الاحجار مرصوصة مائلة الى الداخل.





اما المونة فكانت من الطين المخلوط بالتبن وقليل من الجير وطول الضلع فى الناحية الشمالية البحرية 18 مترا و60 سم، ولا يعطينا ستينون مقاييس الاضلاع الاخرى ولكنا شهدنا ان له قاعدة مربعة وان ارتفاعه كان فى الاصل 9 أمتار و40 سم.

وفي هذا الهرم ظاهرة غير عادية وهي ان زواياه، وليست اضلاع قاعدته، هي التي تتجه نحو الجهات الاربع الاصلية، وربما كان ذلك راجعا الى الاتجاه الذي يسير فيه النيل في هذه المنطقة.

ولم يعثر ستينون على اي اثر لكساء خارجي لاحجار هذا الهرم، ومن المعتقد بوجه عام ان تاريخ هذا الهرم يرجع الى الاسرة الثالثة.

ويقع الهرم على مسافة قريبة من الكوم الاحمر هيراكوبوليس اقدم عواصم الجنوب حيث عثر على آثار هامة كثيرة من اقدم العصور.

لقد اكتشف في مصر اكثر من تسعين هرما، ومن الصعب تقدير عدد الاهرام المدفونة ولم تكتشف، والاهرامات ليست مجرد مبان شاهقة عزت على الزمن ولكنها تمثل فنا هندسيا قديما ضاربا في القدم وتقدم ايضا الفكرة التي تكمن وراء الفلسفة التي تظاهرها والمرتبطة بعبادة الشمس.

إذا سألت اي رحالة ممن يجوبون انحاء العالم: اي المبانى الاثرية تركت في نفسه اعمق الاثر؟ يجيب: الاهرام لحجمها الضخم واتقان عمارتها وعمرها الذى بلغ آلاف السنين وجمالها الفني وحسن موقعها وتاريخها.

ورغم الاهمية التاريخية والسياحية لهرم الكولا وموقعة الفريد الا انه لا يزال صريع الاهمال وبدء الاهالي في استخدام أحجار منه في المباني المجاورة، والمغامرين ولصوص الآثار في الحفر فيه وحوله، وحتى الان لم يدرس دراسة علمية ومازالت مداخله مجهولة.

إن الهرم يقع في منطقة بكر مازالت آثارها التي رصدت بعضها الحملة الفرنسية لم تكتشف ولم تدرس، وعلى بعد عشرين كيلوا منها تقع العضايمة التي اكتشفت فيها حضارة من اقدم حضارات التاربخ المصري.

اتصور هذه المنطقة مزارا ومسرحا يقدم للسائحين فنا مصريا أصيلا ومشروعا للصوت والضوء وإعادة تطوير هذه المنطقة الثرية بآثارها وتاريخها بدلا من هذا الإهمال والتجاهل، وقبل ان يتحول هذا الاثر الى ركام من التراب.

الرحلة إلى هرم الكولا أسعدتني ولكني عدت وفي نفسي غيظ من هذا الإهمال لأثر قد يفتح بوابة تاريخ هذه المنطقة ويفك كثيرا من أسرارها.

عبدالمنعم عبدالعظيم ـ مدير مركز دراسات تراث الصعيد ـ الاقصر (مصر)

ليست هناك تعليقات: